الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۖ عَطَآءً غَيۡرَ مَجۡذُوذٖ} (108)

ويكون الاستثناء من { خالدين } [ هود : 107 ] وهذا قولُ قتادة وجماعةٍ ،

والثَّاني : أنَّ هذا الاستثناء ليس بمتَّصل ولا منقطعٍ ، وإِنما هو على طريق الاستثناء الذي نَدَبَ إِليه الشَّرْعُ في كلِّ كلام ؛ فهو على نحو قوله : { لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَاءَ الله } [ الفتح : 27 ] .

الثالث : أَنَّ { إِلا } في هذه الآية بمعنى «سوى » ، والاستثناء منقطعٌ ، وهذا قول الفَرَّاء ، فإِنه يقدِّر الاستثناء المنقطع ب«سِوَى » وسيبَوَيْهِ يقدِّره ب «لكن » ، أيْ : سوَى ما شاء اللَّه زائداً على ذلك ؛ ويؤيِّد هذا التأويلَ قوله بَعْدُ : { عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [ هود : 108 ] وقيل : سِوَى ما أعد اللَّه لهم من أنواعِ العَذَاب ، وأشدُّ من ذلك كلِّه سَخَطُهُ سبحانه عليهم ، وقيل : الاستثناء في الآيتين من الكَوْنِ في النار والجنَّة ، وهو زمانُ المَوْقِفِ ، وقيل : الاستثناء ؛ في الآية الأولى : من طُول المُدَّة ، وذلك على ما روي أَنَّ جهنم تَخْرَبُ ، ويُعْدَمُ أهلُها ، وتخفقْ أبوابُهَا ، فهم على هذا يَخْلُدون حتَّى يصير أمرهم إِلى هذا .

قال ( ع ) : وهذا قولٌ محتملٌ ، والذي رُوِيَ ونُقِل عن ابن مسعود وغيرهِ أنَّ ما يخلى من النَّار إِنما هو الدَّرْكُ الأَعلى المختصُّ بعصاة المؤمنين ، وهذا الذي يسمَّى جَهَنَّمَ ، وسُمِّي الكلُّ به تجوُّزاً .

( ت ) : وهذا هو الصوابُ إِن شاء اللَّه ، وهو تأويل صاحب «العاقبة » ؛ أنَّ الذي يَخْرَبُ ما يَخُصُّ عصاةَ المُؤْمِنِين ، وتقدَّم الكلام على نظير هذه الآية ، وهو قوله في «الأنعام » : { خالدين فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ الله إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } [ الأنعام : 128 ] .

قال ( ع ) : والأقوال المترتِّبة في الاستثناء الأوَّلِ مرتبةٌ في الاستثناء الثاني في الذين سعدوا إِلاَّ تأويلَ مَنْ قال : هو استثناء المدة التي تخرَبُ فيها جهنَّم ؛ فإِنه لا يترتَّب هنا ، وال{ مَجْذُوذٍ } : المقْطُوع ،