الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۖ عَطَآءً غَيۡرَ مَجۡذُوذٖ} (108)

107

قوله تعالى : { عَطَآءً } نُصِبَ على المصدر المؤكد من معنى الجملةِ قبله ؛ لأن قوله : " ففي الجنة خالدين " يقتضي إعطاء وإنعاماً فكأنه قيل : يُعْطيهم عَطاءً ، وعطاء اسم مصدر ، والمصدر في الحقيقة الإِعطاء على الإِفعال ، أو يكونُ مصدراً على حذف الزوائد كقوله : { أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً }

[ نوح : 17 ] ، أو هو منصوب بمقدَّرٍ موافِقٍ له ، أي : فَنَبَتُّم نباتاً ، وكذلك هنا يقال : عَطَوْتُ بمعنى تناولْت .

و " غيرَ مَجْذوذ " نَعْتُه . والمجذوذ : المقطوع ، ويقال لِفُتات الذهب والفضة والحجارة : " جُذاذ " من ذلك ، وهو قريب من الجَدِّ بالمهملة في المعنى ، إلا أن الراغب جَعَل جَدَّ بالمهملة بمعنى قَطْع الأرضِ المستوية ، ومنه " جَدَّ في سيره يَجِدُّ جَدَّاً " ، ثم قال : " وتُصُوِّر مِنْ جَدَدْتُ [ الأرضَ ] القَطْعُ المجردُ فقيل : جَدَدْتُ الثوب إذا قطعتَه على وجهِ الإِصلاح ، وثوبٌ جديد أصله المقطوع ، ثم جُعل لكل ما أُحْدِث إنشاؤه " . والظاهرُ أن المادتين متقاربتان في المعنى ، وقد ذكرْتُ لهما نظائرَ نحو : عَتَا وعَثا وكثب وكتب .