الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۖ عَطَآءً غَيۡرَ مَجۡذُوذٖ} (108)

وقد وصل الاستثناء في أهل الجنة بقوله : { عطاء غير مجذوذ }[ 108 ] ، ( فدل ){[33232]} على أن الاستثناء إنما هو في زيادة الخلود{[33233]} . ( فما ){[33234]} على بابها ، و( إلا ) للاستثناء .

وقول{[33235]} آخر{[33236]} ، وهو قول المازني{[33237]} : إنه استثناء إقامتهم ، واحتسابهم ، ما بين الموت والبعث . وهو البرزخ ، إلى أن يصيروا في الجنة . يقول : لم يغيبوا عنها إلا مقدار إقامتهم في البرزخ . ( فما ) أيضا على بابها للزمان ، و( إلا ) للاستثناء .

وقول آخر : وهو أن يكون الاستثناء يراد به من دوام السماوات والأرض في الدنيا{[33238]} .

ومعنى : { ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك } يعني : تعميرهم في الدنيا قبل ذلك{[33239]} .

وقيل : الاستثناء{[33240]} واقع على مقامهم في قبورهم . وقيل : إن معنى الاستثناء في أهل الجنة مخصوص{[33241]} في بعضهم . يراد به : قدر بعث{[33242]} من دخل النار من الموحدين إلى أن رحموا ، وأخرجوا ، وأدخلوا الجنة{[33243]} .

وقال{[33244]} ابن زيد : المعنى ( ما دامت الأرض أرضا ، والسماء سماء ){[33245]} .

{ إن ربك فعال لما يريد }[ 107 ] : أي : لا يمنعه مانع من فعل ما أراد{[33246]} . ( قال أبو محمد مكي ){[33247]} : وقد أفردنا/ كتابا{[33248]} مفردا لشرح هذه الآية ، وذكرنا فيها من أقاويل{[33249]} العلماء بضعة عشرة قولا ، وبينا جواز وقوع ( ما ) لمن{[33250]} يعقل بيانا شافيا{[33251]} في ذلك الكتاب . وذكرنا في هذا اختصار ما ذكرنا في ذلك الكتاب{[33252]} .

ومن قرأ ( سعدوا ) بالفتح{[33253]} فهي اللغة الجيدة المشهورة . يقال : ما سعد حتى أسعده الله . وإجماعهم على ( شقوا ) بالفتح يدل على فتح ( سعدوا ) ، ولو كانت بالضم لقيل : ( سعدوا ) ، ومن قرأ بالضم{[33254]} فهي مكروهة عند أكثر النحويين ، واحتج{[33255]} الكسائي في الضم بقولهم : ( مسعود{[33256]} : ( وهذا ){[33257]} لا حجة فيه له ، لأن ( فيه ) محذوفة منه . يقال{[33258]} : مكان{[33259]} مسعود فيه . واحتج الكسائي بقول العرب : ( فغرفاه ، وفغر فوه ){[33260]} ، وجبر العظم وجبرته ، ونزحت البئر ونزحتها : فهذا لا يقاس عليه ، إنما يسمع سماعا{[33261]} . واحتج{[33262]} الكسائي للضم أيضا . بأنه كذلك سمعت من أصحاب عبد الله يقرؤونها{[33263]} .

وكان الكسائي ، وغيره حكوها لغة في ( أسعد ) : تسقط الألف وتضم السين . كقوله{[33264]} : { ما دامت السموات والأرض }{[33265]} ، وقال في موضع آخر : { يوم نطوي{[33266]} السماء كطي السجل للكتاب }{[33267]} ، وقال : { يوم تبدل الأرض غير الأرض }{[33268]} . فإن قيل : فما دوام ذلك على{[33269]} هذا ؟ فالجواب إن ابن عباس قال : وقد سأله رجل ، فقال : يا أبا عبد الله من أي شيء خلقت الأشياء ؟ فقال : من خمسة أشياء من نار ، وتراب ، وريح ، وما ، ودخان . فقال له : ومن أي شيء خلقت هذه الخمسة ؟ فقال : من نور العرش . فقال له{[33270]} : أفرأيت قول الله عز وجل ، { ما دامت السموات والأرض }{[33271]} ، وقوله{[33272]} : { يوم تبدل الأرض غير الأرض }{[33273]} وقوله : { يوم{[33274]} نطوي السماء كطي السجل للكتاب }{[33275]} ، فما دوامها ، وقد فنيتا . فقال ابن عباس : فإذا كان ذلك ، ردتا{[33276]} إلى النور الذي أخذتا{[33277]} منه ، فهما دائمتان لا بد في نور العرش .

ومعنى : { غير مجذوذ } : غير مقطوع{[33278]} ، وقيل : غير منزوع{[33279]} .

( شقي وسعيد ) : وقف{[33280]} . { إلا ما شاء ربك } وقف عند أبي حاتم في الموضعين{[33281]} . والوقف على الاستثناء{[33282]} في قصة أهل النار جائز{[33283]} وليس بجائز في قصة أهل الجنة ، لأن بعده ( عطاء ) منصوب على المصدر ، فما قبله يعمل فيه . فإن نصبته{[33284]} بإضمار فعل وقفت{[33285]} على ما قبله{[33286]} .


[33232]:ق: ويدل.
[33233]:انظر هذا التوجيه في: معاني الفراء 2/28، وجامع البيان 15/488.
[33234]:ق: فاما.
[33235]:ق: وقوله.
[33236]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/488.
[33237]:ق: المزاري. ط: الماوني. ولعل الصواب ما أثبت, والمازني هو أبو عثمان بكر بن محمد، الإمام؟، العالم بالغة، والنحو (ن249 هـ) انظر: طبقات الزبيدي 87.
[33238]:انظر: جامع البيان 15/488-489.
[33239]:انظر هذا المعنى في: جامع البيان 15/489.
[33240]:ق: إلا الاستثناء وهو سهو من الناسخ.
[33241]:ق: شخوص.
[33242]:ق: مكة.
[33243]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/481.
[33244]:ط: قال.
[33245]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/481.
[33246]:انظر هذا التوجيه في: نفس المصدر 15/485.
[33247]:ما بين القوسين ساقط من ق.
[33248]:ق: كتابة.
[33249]:ق: أقوايل.
[33250]:ق: ما لما.
[33251]:ط: مطموس.
[33252]:هو كتاب الاستيفاء في قوله تعالى: {إلا ما شاء ربك} – هود 198 – وفيه جزء، وهو من الكتب المفقودة، انظر تحقيق ذلك في: إنباه الرواة 3/315 وما بعدها، والتفسير والمفسرون في الغرب الإسلامي. ص: 57.
[33253]:وهي قراءة الحرمين، وأبي عمرو، وابن عامر، وعاصم، وعلي بن سليمان انظر: جامع البيان 15/486 والسبعة 339، وإعراب النحاس 2/303، والمبسوط 242، والحجة 346، والكشف 1/536، والتيسير 126 والنثر 2/210.
[33254]:وهي قراءة أهل الكوفة: الأعمش، وحفص، وحمزة، والكسائي، وخلف. انظر: السبعة 339، وإعراب النحاس 2/303، والمبسوط 242، والحجة 349، وإعراب مكي 1/414، والكشف 1/536، والتيسير 126، والنشر 2/290.
[33255]:ط: مطموس.
[33256]:انظر هذا التوجيه في: إعراب مكي 1/415.
[33257]:ساقط من ق.
[33258]:ساقط من ط.
[33259]:ق: ما كان.
[33260]:ق: فعرفاه وعرفوه والتصويب من النحاس.
[33261]:انظر هذا التوجيه في: إعراب النحاس 2/303.
[33262]:ق: وأخرج.
[33263]:ذكر ابن عطية في المحرر 9/227 أنها قراءة ابن مسعود، وطلحة بن مصرف، وابن وثاب، والأعمش.
[33264]:في النسختين معا وقوله. ولعل الصواب ما أثبت.
[33265]:هود: 107
[33266]:في النسختين معا: يطوي.
[33267]:الأنبياء: 103.
[33268]:إبراهيم: 50.
[33269]:ق: ب على.
[33270]:ق: قال.
[33271]:هود: 107.
[33272]:ق: وقول الله.
[33273]:إبراهيم: 50.
[33274]:ط: ويوم.
[33275]:الأنبياء: 103.
[33276]:ق: ردنا – ط: ردت.
[33277]:ق: أخذنا.
[33278]:وهو قول مجاهد في: تفسيره 391، وعزاه في جامع البيان 15/490 إلى الضحاك، وابن عباس، ومجاهد، وأبي العالية، ولم ينسبه في مجاز القرآن 1/299، وغريب القرآن 210، وتأويل مشكل القرآن 28.
[33279]:وهو قول ابن زيد في: جامع البيان 15/419.
[33280]:وهو وقف كاف في: القطع 396، والمكتفي 320، والمقصد 46.
[33281]:انظر هذا الوقف كافيا في: القطع 396، والمكتفى 320، وحسنا في: المقصد 46. وقصد المؤلف بالموضعين هذه الآية، والتي تليها (107-108).
[33282]:ق: استثناء.
[33283]:ط: جائزة.
[33284]:ق: نصبت. ط: نصبته ولعل الصواب ما أثبت.
[33285]:ط: وقعت.
[33286]:انظر: هذا التوجيه بتمامه في: القطع 396.