المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (112)

أمر النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستقامة وهو عليها إنما هو أمر بالدوام والثبوت ، وهذا كما تأمر إنساناً بالمشي والأكل ونحوه وهو ملتبس به . والخطاب بهذه الآية للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين تابوا من الكفر ، ولسائر أمته بالمعنى ، وروي أن بعض العلماء رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له : يا رسول الله بلغنا عنك أنك قلت : شيبتني هود وأخواتها{[6524]} فما الذي شيبك من هود ؟ قال له : قوله تعالى : { فاستقم كما أمرت } .

قال القاضي أبو محمد : والتأويل المشهور في قوله عليه السلام : شيبتني هود وأخواتها - أنها إشارة إلى ما فيها مما حل بالأمم السابقة ، فكان حذره على هذه الأمة مثل ذلك شيبه عليه السلام .

وقوله : { أمرت } مخاطبة تعظيم ، وقوله : { ومن } معطوف على الضمير في قوله : { فاستقم } ، وحسن ذلك دون أن يؤكد لطول الكلام بقوله : { كما أمرت } . و { لا تطغوا } معناه : ولا تتجاوزوا حدود الله تعالى ، و «الطغيان » : تجاوز الحد ومنه قوله : { طغى الماء }{[6525]} وقوله في فرعون : { إنه طغى }{[6526]} ، وقيل في هذه معناه : ولا تطغينكم النعم ، وهذا كالأول .


[6524]:- روي هذا الحديث من طرق مختلفة، وبزيادات تختلف من رواية إلى أخرى، فقد رواه الطبراني في الكبير بلفظ (شيبتني هود وأخواتها) عن عقبة بن عامر، وعن أبي جحيفة، ورمز له السيوطي بالصحة، ورواه الطبراني أيضا في الكبير عن سهل بن سعد بلفظ (شيبتني هود وأخواتها الواقعة والحاقة وإذا الشمس كورت)، ورمز له السيوطي بأنه حسن، ورواه الترمذي، والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما، وانفرد الحاكم بروايته أيضا عن أبي بكر رضي الله عنه، ورواه ابن مردويه عن سعد بلفظ (شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت)، ورمز له السيوطي بأنه حسن، ورواه ابن مردويه عن أبي بكر رضي الله عنه بلفظ (شيبتني هود وأخواتها قبل المشيب)، وقال السيوطي: حديث حسن، ورواه ابن مردويه عن عمران بلفظ (شيبتني هود من المفصل)، وقال السيوطي: حديث حسن، وهناك روايات أخرى لا تخرج عما ذكرناه.
[6525]:- من الآية (11) من سورة (الحاقة).
[6526]:- تكررت في الآيات (24) و (43) من سورة (طه)، و(17) من سورة (النازعات).