غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (112)

103

ثم أمر نبيه لتقتدي به أمته بكلمة جامعة للعقائد والأعمال قائلاً { فاستقم كما أمرت } عن جعفر الصادق رضي الله عنه . معناه افتقر إلى الله بصحة العزم يعني الوثوق به والتوكل عليه { ومن تاب معك } عطف على الضمير في { فاستقم } وصح للفصل أو هو ابتداء أي ومن تاب معك فليستقم أو مفعول معه . ثم كما أمر بالاستقامة على جادّة الحق نهى عن الانحراف عنها فقال { ولا تطغوا } والطغيان مجاوزة الحد . وقال ابن عباس : يريد تواضعوا للحق ولا تتكبروا على الخلق . وخصص بعضهم الطغيان بالتجاوز عن حدود القرآن بتحليل حرامه وتحريم حلاله . وهذه الآية أصل عظيم في الشريعة فيكون الترتيب في الوضوء واجباً كما ورد في القرآن ، وكذلك القول في الحدود والكفارات ونصاب الزكاة وأعداد الركعات وغيرها من جميع المأمورات والمنهيات . ويجب الاحتياط في المسائل الاجتهادية وفي القياسات . وكذا في الأخلاق والملكات وفي كل ما له طرفا إفراط وتفريط فهما مذمومان . والمحمود هو الوسط وهو الصراط المستقيم المأمور بالاستقامة والثبات عليه . ولا ريب أن معرفته صعبة وبتقدير معرفته فالعمل به والبقاء عليه أصعب ولهذا قال ابن عباس : ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية في القرآن أشد ولا أشق من هذه حتى إن أصحابه قالوا له : لقد أسرع فيك الشيب فقال صلى الله عليه وسلم : شيبتني هود أعني هذه الآية منها .

/خ123