تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (112)

{ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 112وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ 113 } .

المفردات :

فاستقم كما أمرت : نفذ ما أمرناك به دون ميل عنه بزيادة أو نقص .

ولا تطغوا : لا تتجاوزوا الحد الذي أمرتم به ، وذلك بالإفراط أو التفريط .

التفسير :

112 { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .

ألزم أيها الرسول صلى الله عليه وسلم طريق الاستقامة على أمر الله ، والالتزام بأوامره ، واجتناب نواهيه ، أنت ومن آمن بك ، وصدق دعوتك ، ولا تحيدوا عن الحق ، ولا تميلوا عن أوامر الشرع ؛ إن الله تعالى مطلع عليكم ، بصير بأعمالكم ، خبير بنوازع نفوسكم ، وسيجازيكم أعدل الجزاء .

وليس معنى الآية أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن مستقيما ؛ بل معناه : دم على الاستقامة ؛ أنت ومن معك من المؤمنين ، واستمر عليها ، فمن أطاع الله ؛ يسر الله له أسباب النصر ، ولما نزلت هذه الآية ؛ لزم النبي صلى الله عليه وسلم الطاعة ، وشمر عن ساعد الجد ، بل وعجل عليه الشيب ، وقيل : أوانه .

أخرج الترمذي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " شيبتني هود والواقعة وأخواتهما " . 69

أراد قوله تعالى : { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .

وأخرج ابن حاتم وأبو الشيخ : عن الحسن أنه قال : لما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم : ( شمّروا شمّروا ) وما رؤى بعدها ضاحكا ، وعن ابن عباس : قال : ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية أشق من هذه الآية .

الاستقامة

هي السير المستقيم ، وهي التزام الجانب المعتدل في الدين ، والسير على هدى القرآن وسنة الرسول الأمين ، وفي صحيح مسلم : عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك ، قال : " قل آمنت بالله ثم استقم " . 70

والدعوة إلى الاستقامة وتجنب الطغيان هدف تربوي ودليل علمي ، وصّى به القرآن والسنة ؛ قال تعالى : { فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم } . ( الشورى : 15 ) ، وقال عز شأنه : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ *نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ *نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } . ( فصلت : 30 32 ) .

والاستقامة تتسع لتكون منهج حياة إسلامية متكاملة ؛ فتقضي توحيد الله في ذاته ، وصفاته ، والإيمان بالغيب من جنة ونار وبعث وحساب وجزاء ، وملائكة وعرش ، والتزام ما أمر به القرآن في نطاق العبادات والمعاملات ، وهي درجة عليا وعسيرة ، إلا على من جاهد نفسه ، وترتفع عن أهوائه وشهواته ، وقد أمر بها موسى وهارون بقوله تعالى : { قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذي لا يعلمون } . ( يونس : 89 ) .

الاستقامة واليسر

مما ييسر الاستقامة : الالتزام بتوجيه الله تعالى من فعل الواجبات ، وترك المحرمات ، قال تعالى : { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج } . ( المائدة : 6 ) .

وقال صلى الله عليه وسلم : " يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا " . 71

وروى البخاري عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا ، واستعينوا بالغدوة والراحة ، وشيء من الدلجة ) . 72

وكانت عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم وسطا لا إفراط ولا تفريط ، مراعاة للطاقة البشرية لأمته ، أخرج مسلم عن جابر بن سمرة قال : ( كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فكانت صلاته قصدا ، وخطبته قصدا ) . 73