فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (112)

ثم أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بكلمة جامعة لأنواع الطاعة له سبحانه فقال { فاستقم كما أمرت } أي كما أمرك الله فيدخل في ذلك جميع ما أمره به وجميع ما نهاه عنه لأنه قد أمره بتجنب ما نهاه عنه كما أمره بفعل ما تعبده بفعله . وأمته أسوته في ذلك .

قال قتادة : أمره أن يستقيم على أمره ولا يطغى في نعمته وقال سفيان : استقم على القرآن ، وعن الحسن قال : لما نزلت هذه الآية قال : شمروا شمروا فما رئي ضاحكا قال أبو السعود : وبالجملة فهذا الأمر منتظم لجميع محاسن الأحكام الأصلية والفرعية والكمالات النظرية والعملية والخروج عن عهدته في غاية ما يكون من الصعوبة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : ( شيبتني سورة هود{[957]} ) .

{ و } ليستقم { من تاب معك } أي آمن ورجع عن الكفر إلى الإسلام وشاركك في الإيمان وما أعظم موقع هذه الآية وأشد أمرها فإن الاستقامة كما أمر الله لا تقوم بها إلا الأنفس المطهرة والذوات المقدسة ولهذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم شيبتني هود كما تقدم .

وعن سفيان الثقفي قال : قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك قال : ( قل آمنت بالله ثم استقم ) {[958]} أخرجه مسلم أقول هي تشمل العقائد والأعمال والأخلاق فإنها في العقائد اجتناب التشبيه والتأويل والتعطيل والصرف عن الظاهر وفي الأعمال الاحتراز عن الزيادة والنقصان والبدع والمحدثات والتغيير للكتاب والتبديل للسنن والتقليد للرجال وللآراء وفي الأخلاق التباعد عن طرفي الإفراط والتفريط وهذا في غاية العسر وبالله التوفيق وهو المستعان .

{ ولا تطغوا } الطغيان مجاوزة الحد لما أمر الله سبحانه بالاستقامة المذكورة بين أن الغلو في العبادة والإفراط في الطاعة على وجه يخرج به عن الحد الذي حده والمقدار الذي قدره ممنوع منه منهى عنه ذلك كمن يصوم ولا يفطر ويقوم الليل ولا ينام ويترك الحلال الذي أذن الله به ورغب فيه ولهذا يقول الصادق المصدوق فيما صح عنه : ) أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وأنكح النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) {[959]} والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته تغليبا لحالهم على حاله أو النهي عن الطغيان خاص بالأمة .

قال ابن عباس : لا تطغوا لا تظلموا وقال العلاء بن عبد اله : لم يرد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إنما عني الذين يجيئون من بعدهم ، وعن ابن زيد الطغيان خلاف أمره وارتكاب معصيته { إنه بما تعملون بصير } يجازيكم على حسب ما تستحقون والجملة تعليل لما قبلها قيل ما نزلت آية على رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أشد عليه من هذه الآية .


[957]:الترمذي تفسير سورة 56/ 6
[958]:مسلم 38
[959]:النسائي: كتاب النكاح باب 4