الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (112)

قوله تعالى : { كَمَآ أُمِرْتَ } : الكافُ في محل النصب : إمَّا على النعتِ لمصدرٍ محذوفٍ ، كما هو المشهورُ عند المعربين . قال الزمخشري : " أي : استقمْ استقامةً مثلَ الاستقامة التي أُمِرْتَ بها على جادَّة الحقِّ غيرَ عادلٍ عنها " ، وإمَّا على الحال من ضمير ذلك المصدر . واستَفْعَل هنا للطلب كأنه قيل : اطلبْ الإِقامةَ على الدين ، قال : " كما تقول : استغفر ، أي : اطلب الغفران " .

قوله : { وَمَن تَابَ مَعَكَ } في " مَنْ " وجهان أحدهُما : أنَّه منصوبٌ على المفعول معه ، كذا ذكره أبو البقاء ، ويصير المعنى : استقم مصاحباً لمَنْ تاب مصاحباً لك ، وفي هذا المعنى نُبُوٌّ عن ظاهرِ اللفظ . الثاني : أنه مرفوعٌ ، فإنه نسق على المستتر في " استقم " ، وأغنى الفصلُ بالجارِّ عن تأكيده بضميرٍ منفصل في صحةِ العطف ، وقد تقدَّم لك هذا البحثُ في قوله { اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ } [ البقرة : 35 ] وأنَّ الصحيحَ أنه من عطفِ الجمل لا من عطف المفردات ، ولذلك قدَّره الزمخشري : " فاستقم أنت وليستقم مَنْ تاب " فقدَّر الرافعَ له فعلاً لائقاً برفعِه الظاهرَ .

وقرأ العامَّةُ { بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } بالتاء جرياً على الخطاب المتقدم .

وقرأ الحسن والأعمش وعيسى الثقفي بالياء للغيبة ، وهو التفاتٌ من خطابٍ لغيبةٍ عكسَ ما تقدم في { بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [ هود : 111 ] .