الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (112)

قوله تعالى : " فاستقم كما أمرت " الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولغيره . وقيل : له والمراد أمته ، قاله السدى . وقيل : " استقم " اطلب الإقامة على الدين من الله واسأله ذلك . فتكون السين سين السؤال ، كما تقول : أستغفر الله أطلب الغفران منه{[8887]} . والاستقامة الاستمرار في جهة واحدة من غير أخذ في جهة اليمين والشمال ، فاستقم على امتثال أمر الله . وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك ! قال : ( قل آمنت بالله ثم استقم ) . وروى الدارمي أبو محمد في مسنده عن عثمان بن حاضر الأزدي قال : دخلت على ابن عباس فقلت : أوصني ! فقال : نعم ! عليك بتقوى الله والاستقامة ، اتبع ولا تبتدع .

" ومن تاب معك " أي استقم أنت وهم ، يريد أصحابه الذين تابوا من الشرك ومن بعده ممن اتبعه من أمته . قال ابن عباس ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد ولا أشق من هذه الآية عليه ، ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له : لقد أسرع إليك الشيب ! فقال : ( شيبتني هود وأخواتها ) . وقد تقدم في أول السورة . وروي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال سمعت أبا علي السري{[8888]} يقول : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت : يا رسول الله ! روي عنك أنك قلت : ( شيبتني هود ) . فقال : ( نعم ) فقلت له : ما الذي شيبك منها ؟ قصص الأنبياء وهلاك الأمم ! فقال : ( لا ولكن قوله : فاستقم كما أمرت ) . " ولا تطغوا " نهى عن الطغيان والطغيان مجاوزة الحد ، ومنه " إنا لما طغى الماء{[8889]} " . وقيل : أي لا تتجبروا على أحد .


[8887]:من ا.
[8888]:في الأصل (الشتوي) وصوب عن (الدر المنثور).
[8889]:راجع ج 18 ص 262.