المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{لَقَالُوٓاْ إِنَّمَا سُكِّرَتۡ أَبۡصَٰرُنَا بَلۡ نَحۡنُ قَوۡمٞ مَّسۡحُورُونَ} (15)

وقرأ السبعة سوى ابن كثير : «سُكّرت » بضم السين وشد الكاف ، وقرأ ابن كثير وحده بتخفيف الكاف ، وهي قراءة مجاهد . وقرأ ابن الزهري بفتح السين وتخفيف الكاف ، على بناء الفعل لفاعل . وقرأ أبان بن تغلب «سحرت أبصارنا » ، ويجيء قوله : { بل نحن قوم مسحورون } انتقالاً إلى درجة عظمى من سحر العقل والجملة .

وتقول العرب : سكرت الريح تسكر سكوراً : إذا ركدت ولم تنفذ لما كانت بسبيله أولاً ، وتقول سكر الرجل من الشراب سكراً : إذا تغيرت حاله وركد ولم ينفذ فيما للإنسان أن ينفذ فيه ، ومن هذا المعنى : سكران لا يبت - أي لا يقطع أمراً ، وتقول العرب : سكرت الفتق في مجاري الماء سكراً : إذا طمسته وصرفت الماء عنه ، فلم ينفذ لوجهه .

قال القاضي أبو محمد : فهذه اللفظة «سكّرت » - بشد الكاف - إذا كانت من سكر الشراب أو من سكور الريح فهي فعل عدي بالتضعيف ، وإن كانت من سكر مجاري الماء فتضعيفها للمبالغة ، لا للتعدية ، لأن المخفف من فعله متعد . ورجح أبو حاتم هذه القراءة ، لأن «الأبصار » جمع ، والتثقيل مع الجمع أمثل ، كما قال : { مفتحة لهم الأبواب }{[7141]} [ ص : 50 ] ومن قرأ «سُكرت » - بضم السين وتخفيف الكاف ، فإن كانت اللفظة من سكر الماء فهو فعل متعد ؛ وإن كانت من سكر الشراب أو من سكور الريح ، فيضمنا أن الفعل بني للمفعول إلى أن ننزله متعدياً ، ويكون هذا الفعل من قبيل : رجح زيد ورجحه غيره ، وغارت ، وغارت العين وغارها الرجل : فتقول - على هذا - سكر الرجل ، وسكره غيره ، وسكرت الريح ، وسكرها شيء غيرها .

ومعنى هذه المقالة منهم : أي غيرت أبصارنا عما كانت عليه ، فهي لا تنفذ وتعطينا حقائق الشياء كما كانت تفعل .

قال القاضي أبو محمد : وعبر بعض المفسرين عن هذه اللفظة بقوله : غشي على أبصارنا وقال بعضهم عميت أبصارنا ، وهذا ونحوه تفسير بالمعنى لا يرتبط باللفظ .

ولقال أيضاً هؤلاء المبصرون عروج الملائكة ، أو عروج أنفسهم ، بعد قولهم : { سكرت أبصارنا } بل سحرنا حتى ما نعقل الأشياء كما يجب ، أي صرف فينا السحر .


[7141]:من الآية (50) من سورة (ص).