المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَلَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ إِنَّهُمۡ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۚ يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلَّا يَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظّٗا فِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (176)

وقرأ نافع وحده «يُحزنك » بضم الياء من أحزن ، وكذلك قرأ في جميع القرآن ، إلا في سورة الأنبياء { لايحزنهم الفزع الأكبر } [ الأنبياء : 103 ] فإنه فتح الياء ، وقرأ الباقون «يَحزنك » بفتح الياء من قولك حزنت الرجل ، قال سيبويه : يقال حزن الرجل وفتن إذا أصابه الحزن والفتنة ، وحزنته وفتنته ، إذا جعلت فيه وعنده حزناً وفتنة ، كما تقول : دهنت وكحلت ، إذا جعلت دهناً وكحلاً ، وأحزنته وأفتنته ، إذا جعلته حزيناً وفاتناً ، كما تقول : أدخلته وأسمعته ، هذا معنى قول سيبويه والمسارعة في الكفر هي المبادرة إلى أقواله وأفعاله والجد في ذلك ، وقرأ الحر النحوي{[3727]} «يسرعون » في كل القرآن وقراءة الجماعة أبلغ ، لأن من يسارع غيره أشد اجتهاداً من الذي يسرع وحده ، ولذلك قالوا- كل مجرٍ بالخلاء يسر-{[3728]} ، وسلَّى الله نبيه بهذه الآية عن حال المنافقين والمجاهدين إذ كلهم مسارع ، وقوله تعالى : { إنهم لن يضروا الله شيئاً } خبر في ضمنه وعيد لهم أي : إنما يضرون أنفسهم ، والحظ إذا لم يقيد فإنما يستعمل في الخير ، ألا ترى قوله تعالى :

{ وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم }{[3729]} .


[3727]:- هو الحر بن عبد الله النحوي القارئ، سمع أبا الأسود الدؤلي، وعنه طلب إعراب القرآن أربعين سنة، (بغية الوعاة 1/493) وهذه القراءة قد ذكرها ابن جني في المحتسب (1/177)
[3728]:- هذا مثل، يضرب للرجل يسرّ بفضيلة في نفسه دون أن يقيسها بفضائل غيره، كراكب الفرس في الخلاء، يظن نفسه فارسا لانعدام المتبارين؛ (انظر جمهرة العسكري 1/142، والميداني 2/54، والمستقصى: 269، وفصل المقال: 203) وللمثل صور أخرى.
[3729]:- من الآية (35) من سورة فصلت.