غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ إِنَّهُمۡ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۚ يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلَّا يَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظّٗا فِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (176)

176

التفسير : نزلت في كفار قريش وإنه تعالى جعل رسوله آمناً من شرهم وأتاح العاقبة له وإن جمعوا الجموع وجهزوا الجيوش حتى يظهر هذا الدين على الأديان كلها . وقيل في المنافقين ومسارعتهم هي أنهم كانوا يخوّفون المؤمنين بسبب واقعة أحد ، ويؤيسونهم من النصر والظفر ، وربما يقولون : إن محمداً لطالب ملك فتارة يكون الأمر له وتارة يكون عليه ، ولو كان رسولاً ما غلبه أحد .

وقيل : إن قوماً من الكفار أسلموا ثم ارتدوا خوفاً من قريش ، فاغتنم النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فبيّن الله تعالى أن ردتهم لا تؤثر في لحوق ضرر بك . ونصر بعضهم هذا القول بأن المسارعة وهي شدة الرغبة في الكفر إنما تناسب من كفر بعد الإيمان المستمر على الكفر ، وبأن إرادته أن لا يجعل لهم حظاً في الآخرة إنما تليق بمن آمن فاستوجب الحظ ثم أحبط ، وبأن الحزن إنما يكون على فوات أمر مقصود وذلك هو ما قدر النبي صلى الله عليه وسلم من الانتفاع بإيمانهم أو انتفاعهم بالإيمان فبيّن الله تعالى أنه لا يلحق بسبب فوات ذلك ضرر بالدين ، وأن وبال ذلك يعود عليهم كما دل عليه بقية الآية . فإن قيل : الحزن على كفر الكافر وعلى معصية العاصي طاعة ، فكيف نهي نبي الله عن ذلك ؟ فالجواب أنه نهي عن الإسراف في الحزن بحيث يأتي عليه ونظيره { لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين }[ الشعراء :3 ] أو المراد لا يحزنوك لخوف أن يضروك ويعينوا عليك { إنهم لن يضروا الله } أي دينه { شيئاً } من الضرر . { يريد الله ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة } فيه دليل على أن إرادة الله تتعلق بالعدم ، وتنصيص على أن الخير والشر والنفع والضر بإرادة الله ، ومعنى قوله : { ولهم عذاب عظيم } أنه كما لاحظ لهم من منافع الآخرة فلهم حظ عظيم من مضارها . وفي الإخبار عن إرادة عدم الجعل دون الإخبار عن عدم الجعل إشعار بأن استحقاقهم للحرمان بلغ إلى حد أراد أرحم الراحمين أن لا يرحمهم وأن الداعي إلى تعذيبهم خلص خلوصاً لم يبق معه صارف ألبتة .

/خ189