الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَلَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ إِنَّهُمۡ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۚ يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلَّا يَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظّٗا فِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (176)

{ يسارعون فِى الكفر } يقعون فيه سريعاً ويرغبون فيه أشدّ رغبة ، وهم الذين نافقوا من المتخلفين . وقيل : هم قوم ارتدّوا عن الإسلام .

فإن قلت : فما معنى قوله : { وَلاَ يَحْزُنكَ } ؟ ومن حق الرسول أن يحزن لنفاق من نافق وارتداد من ارتدّ ؟ قلت : معناه لا يحزنوك لخوف أن يضرّوك ويعينوا عليك . ألا ترى إلى قوله { إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً } يعني أنهم لا يضرون بمسارعتهم في الكفر غير أنفسهم ، وما وبال ذلك عائداً على غيرهم . ثم بين كيف يعود وباله عليهم بقوله : { يُرِيدُ الله أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِى الآخرة } أي نصيباً من الثواب { وَلَهُمْ } بدل الثواب { عَذَابٌ عظِيمٌ } وذلك أبلغ ما ضرّ به الإنسان نفسه .

فإن قلت : هلا قيل : لا يجعل الله لهم حظاً في الآخرة ، وأيّ فائدة في ذكر الإرادة ؟ قلت : فائدته الإشعار بأنّ الداعي إلى حرمانهم وتعذيبهم قد خلص خلوصاً لم يبق معه صارف قط حين سارعوا في الكفر ، تنبيهاً على تماديهم في الطغيان وبلوغهم الغاية فيه ، حتى أنّ أرحم الراحمين يريد أن لا يرحمهم .