البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ إِنَّهُمۡ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۚ يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلَّا يَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظّٗا فِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (176)

الحظ النصيب ، وإذا لم يقيد فإنما يستعمل في الخير .

{ ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئاً } لما نهى المؤمنين عن خوف أولياء الشيطان ، وأمرهم بخوفه وحده تعالى ، نهى رسوله صلى الله عليه وسلم عن الحزن لمسارعة من سارع في الكفر .

والمعنى : لا يتوقع حزناً ولا ضرراً منهم ، ولذلك علله بقوله : إنهم لن يضروا الله شيئاً ، أي : لن يضروا نبي الله والمؤمنين .

والمنفي هنا ضرر خاص ، وهو إبطال الإسلام وكيده حتى يضمحلّ ، فهذا لن يقع أبداً ، بل أمرهم يضمحل ويعلو أمرك عليهم .

قيل : نزلت في المنافقين .

وقيل : نزلت في قوم ارتدوا .

وقيل : المراد كفار قريش .

وقيل : رؤساء اليهود .

والأولى حمله على العموم كقوله : { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } وقيل : مثير الحزن وهو شفقته صلى الله عليه وسلم ، وإيثاره إسلامهم حتى ينقذهم من النار ، فنهى عن المبالغة في ذلك كقوله تعالى : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } وقوله : { لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين } وهذا من فرط رحمته للناس ، ورأفته بهم .

وقرأ نافع : يحزنك من أحزن ، وكذا حيث وقع المضارع ، إلا في لا يحزنهم الفزع الأكبر ، فقرأه من حزن كقراءة الجماعة في جميع القرآن .

يقال : حزن الرّجل أصابه الحزن ، وحزنته جعلت فيه ذلك ، وأحزنته جعلته حزيناً .

وقرأ النحوي : يسرعون من أسرع في جميع القرآن .

قال ابن عطية : وقراءة الجماعة أبلغ ، لأن من يسارع غيره أشد اجتهاداً من الذي يسرع وحده .

وفي ضمن قوله : إنهم لن يضروا الله شيئاً دلالة على أنَّ وبال ذلك عائد عليهم ، ولا يضرون إلا أنفسهم .

وانتصب شيئاً على المصدر ، أي شيئاً من الضرر .

وقيل : انتصابه على إسقاط حرف الجر أي شيء { يريد الله أن لا يجعل لهم حظاً في الآخرة ولهم عذاب عظيم } بين تعالى أنَّ ما هم عليه من المسارعة في الكفر هو بإرادة الله تعالى ، أنهم لا يهديهم إلى الإيمان ، فيكون لهم نصيب من نعيم الآخرة .

فهذه تسلية منه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في ترك الحرب ، لأن مراد الله منهم هو ما هم عليه ، ولهم بدل النعيم عذاب عظيم .

قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : هل قيل : لا يجعل الله لهم حظاً في الآخرة ، وأي فائدة في ذكر الإرادة ؟ ( قلت ) : فائدته الإشعار بأن الداعي إلى حرمانهم وتعذيبهم قد خلص خلوصاً لم يبق معه صارف قط ، حين يسارعون في الكفر تنبيهاً على تماديهم في الطغيان وبلوغهم الغاية فيه ، حتى أن أرحم الراحمين يريد أن لا يرحمهم انتهى .

وفيه دسيسة اعتزال لأنه استشعر أن إرادته تعالى أن لا يجعل لهم حظاً في الآخرة موجبة ، أن سبب ذلك هو مريد له تعالى وهو : الكفر .

ومن مذهبه أنه تعالى لا يريد الكفر ولا يشاؤه ، فتأول تعلق إرادته بانتفاء حظهم من الآخرة بتعلقها بانتفاء رحمته لهم لفرط كفرهم .

ونقل الماوردي في يريد ثلاثة أقوال : أحدها : أنه يحكم بذلك .

والثاني : يريد في الآخرة أن يحرمهم ثوابهم لإحباط أعمالهم بكفرهم .

والثالث : يريد يحبط أعمالهم بما استحقوه من ذنوبهم قاله : ابن إسحاق .

/خ180