تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ إِنَّهُمۡ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۚ يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلَّا يَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظّٗا فِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (176)

الآية 176 وقوله تعالى : { ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } تحتمل الآية وجهين : تحتمل { ولا يحزنك الذين } ظاهروا غيرهم من المشركين عليكم ، وقد ظاهر أهل مكة غيرهم من المشركين عليك ، فإن الله ينصركم ، فيخرج هذا مخرج البشارة بالنصر على أعدائه والغلبة عليهم .

وتحتمل أيضا وجها آخر ، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشتد عليه كفرهم بالله ويحزن لذلك كقوله تعالى : { لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } ( الشعراء 3 ) فيخرج قوله : { فلا يحزنك } مخرج تسكين ( الحزن ){[4606]} ودفعه عن التسلي على ذلك لا مخرج النهي إذ الحزن يأخذ الإنسان ويأتيه من غير تكلف ولا تصنع وكقوله تعالى : { لا تحزن إن الله معنا } ( التوبة 40 ) هو على مخرج التسكين والدفع عنه لا على النهي فكذلك الأول والله أعلم وكقوله تعالى لأم موسى عليه السلام { ولا تحزن } ( مريم 24 ) .

وقوله تعالى : { لن يضروا الله شيئا } يحتمل قوله : { لن يضروا الله شيئا } أي لن يضروا أولياء الله عز وجل لأن ضرر ذلك عليهم كقوله تعالى : { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } ( المائدة 105 ) ويحتمل { لن يضروا الله شيئا } لأنه ليس لله في نفعهم وعملهم نفع ، ولا في ترك ذلك ضرر إنما المنفعة في عملهم لهم ، والضرر في ترك عملهم عليهم والله أعلم .

وقوله تعالى : { يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة } هذه الآية تنقض على المعتزلة قولهم لأن الله تعالى يقول : أراد ألا يجعل لهم في الآخرة حظا ، والمعتزلة يقولون : بل أراد أن يجعل لهم حظا في الآخرة إذ يقولون : أراد لهم الإيمان وبالإيمان يكون لهم الحظ في الآخرة فثبت بالآية أنه لم يكن أراد لهم الإيمان . والآية في قوم خاص علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون أبدا فأراد ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولو كان على ما تقوله المعتزلة بأنه أراد أن يجعل لهم حظا في الآخرة لما أراد لهم أن يؤمنوا ولكن لم يؤمنوا ، لكان حاصل قولهم أراد الله ألا يجعل لمن أراد أن يؤمن في الآخرة وذلك جور عندهم وبالله التوفيق .

وقوله تعالى : { ولهم عذاب عظيم } وذكر مرة { أليم } ( البقرة 10 ) ومرة { شديد } ( آل عمران 4 و . . . ) لأن التعذيب بالنار أشد العذاب في المشاهد وأعظم ولذلك أوعد بها في الغالب{[4607]}وجعل شرابهم وطعامهم ولباسهم منها فنعوذ بالله من ذلك .


[4606]:من م.
[4607]:في الأصل و م: الغائب.