فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ إِنَّهُمۡ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۚ يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلَّا يَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظّٗا فِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (176)

( ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ) يقال حزنني الأمر وهي لغة قريش وأحزنني وهي لغة تميم ، والأولى أفصح ، والغرض من هذا تسلية صلى الله عليه وسلم وتصبيرهم على تعنتهم في الكفر ، وتعرضهم له بالأذى ، وضمن يسارعون يقعون فعدى بفي أي لا يحزنك مسارعتهم لمقويات الكفر من قول وفعل ، فهذا هو الذي يسارع إلية أي الأمور المقوية له كالتهيؤ لقتال النبي ، وأما الكفر فهو دائم فيهم فلا تتأتى مسارعتهم للوقوع فيه لأن هذا التعبير يشعر بطروء هذا الأمر .

وأما إيثار كلمة ( إلى ) في قوله تعالى ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) فلأن المغفرة والجنة منتهى المسارعة غايتها ، وقيل هم قوم ارتدوا فاغتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذلك فسلاه الله سبحانه ونهاه عن الحزن وعلل ذلك بقوله .

( انهم لن يضروا الله شيئا ) أي شيئا من الضرر ، والتنكير لتأكيد ما فيه من القلة والحقارة ، وقيل على نزع الجار أي ما أصلا ، وقيل هم كفار قريش ، وقيل هم المنافقون ورؤساء اليهود ، وقيل هو عام في جميع الكفار .

قال القشيري :والحزن على كفر الكافر طاعة ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفرط في الحزن فنهى عن ذلك كما قال تعالى ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) وقال ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) والمعنى ان كفرهم لا ينقص من ملك الله سبحانه شيئا ، وقيل المراد لن يضروا أولياؤه ، ويحتمل ان يراد لن يضروا دينه الذي شرعه لعباده ، وفيه مزيد مبالغة في التسلية .

( يريد الله ألا يجعل لهم حظا ) نصيبا ( في الآخرة ) أو نصيبا من الثواب ، وصيغة الاستقبال للدلالة على دوام الإرادة واستمرارها ، وفي الآية دليل على أن الخير والشر بإرادة الله تعالى ، وفيه رد على القدرية والمعتزلة ( ولهم عذاب عظيم ) في النار بسبب مسارعتهم في الكفر ، فكان ضرر كفرهم عائدا عليهم جالبا لهم عدم الحظ في الآخرة ومصيرهم إلى العذاب العظيم .