الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ إِنَّهُمۡ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۚ يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلَّا يَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظّٗا فِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (176)

قوله تعالى : { وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ } : قرأ نافع " يُحْزِنْك " بضم حرف المضارعة من " أحزن " رباعياً في سائر القرِآن إلا التي في قوله : { لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ } [ الأنبياء : 103 ] فإنه كالجماعة . والباقون بفتح الياء من حَزَنه ثلاثياً ، فقيل : هما من باب ما جاء فيه فَعَل وأَفْعَل بمعنىً ، وقيل : باختلافِ معنى ، فَحَزَنَه جعل فيه حُزْناً نحو : دَهَنه وكَحَله أي : جعل فيه دُهْناً وكُحْلاً ، وأحزنْتُه إذا جَعَلْتُه حزيناً ، ومثلُ حَزَنَه وأَحْزَنَه : فَتنَه وأَفْتَنَه ، قال سيبويه : " وقال بعضُ الأعرابِ : أَحْزَنْتُ الرجل وأفْتَنْتُه أي : جَعَلْتُه حزيناً وفاتناً " . وقيل : حَزَنْتُه أحدثْتُ له الحُزْنَ ، وَأَحْزَنْتُه عَرَّضْتُه للحزن ، قاله أبو البقاء . وقد تقدَّم في البقرة اشتقاقُ هذه اللفظة وما قيل فيها . وتقدَّم أيضاً أنه يُقال : حَزِن الرجلُ بالكسر ، فإذا أرادوا تعديتَه عَدَّوْه بالفتحةِ فيقولون : " حَزَنْتُه " . ك " شَتِرَتْ عينه وشَتَرها الله " . والحقُّ أَنَّ حَرَنَه وأَحْزَنَه لغتان فاشيتان لثبوتهما متواترتين وإنْ كان أبو البقاء قال : " إنَّ أحزن لغةٌ قليلةٌ " .

ومِنْ عجيبِ ما اتفق أن نافعاً رحمه الله يقرأ هذه المادة من " أحزن " إلا التي في الأنبياء كما تقدم ، وأن شيخه أبا جعفر يزيد بن القعقاع يقرؤها من " حَزَنه " ثلاثياً إلا التي في الأنبياء ، وهذا من الجمع بين اللغتين ، والقراءةُ سُنَّةٌ مُتَّبَعةٌ .

ويُقْرأ : " يُسارعون " بالفتحِ والإِمالةِ . وقرأ النحوي : " يُسْرعون " من أَسْرع في جميع القرآن . قال ابن عطية : " وقرءاةُ الجماعةِ أبلغُ ، لأنَّ الذي يُسارعُ غيرَه أشدُّ اجتهاداًِن الذي يُسْرِعُ وحده .

وقوله : " شيئاً " فيه وجهان ، أحدُهما : أنه مصدرٌ أي : لا يَضُرُّونه شيئاً من الضرر . والثاني : أنه منصوب على إسقاط الخافض أي : لن يضروه بشيء ، وهكذا كلُّ موضعٍ أشبهه ففيه الوجهان .