المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{كَيۡفَ يَكُونُ لِلۡمُشۡرِكِينَ عَهۡدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِۦٓ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ فَمَا ٱسۡتَقَٰمُواْ لَكُمۡ فَٱسۡتَقِيمُواْ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ} (7)

وقوله تعالى { كيف يكون للمشركين عهد عند الله } .

الآية لفظ استفهام وهو على جهة التعجب والاستبعاد ، أي على أي وجه يكون للمشركين عهد وهم قد نقضوا وجاهروا بالتعدي ثم استثنى من عموم المشركين القوم الذين عوهدوا عند المسجد الحرام أي في ناحيته وجهته ، وقال ابن عباس فيما روي عنه : المعني بهذا قريش ، وقال السدي : المعني بنو جذيمة بن الديل . وقال ابن إسحاق : هي قبائل بني بكر كانوا دخلوا وقت الحديبية في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش فلم يكن نقض إلا قريش وبنو الديل من بني بكر فأمر المسلمون بإتمام العهد لمن لم يكن نقض ، وقال قوم : المعني خزاعة قاله مجاهد وهو مردود بإسلام خزاعة عام الفتح ، وقال بعض من قال إنهم قريش إن هذه الآية نزلت فلم يستقيموا بل نقضوا فنزل تأجيلهم أربعة أشهر بعد ذلك ، وحكى الطبري هذا القول عن ابن زيد وهو ضعيف متناقض ، لأن قريشاً وقت الأذان بالأربعة الأشهر لم يكن منهم إلا مسلم ، وذلك بعد فتح مكة بسنة وكذلك خزاعة ، قاله الطبري وغيره ، وقوله { إن الله يحب المتقين } يريد به الموفين بالعهد من المؤمنين ، فلذلك جاء بلفظ معرف للوفاء بالعهد متضمن للايمان .