قوله تعالى : { كَيْفَ يَكُونُ } : في خبر " يكون " ثلاثةُ أوجه أظهرُها : أنه " كيف " ، و " عهدٌ " اسمُها ، والخبر هنا واجبُ التقديمِ لاشتماله على ما له صدرُ الكلام وهو الاستفهامُ ، و " للمشركين " على هذا متعلقة : إمَّا ب " يكون " عند مَنْ يُجيز في " كان " أن تعمل في الظرفِ وشبهه ، وإمَّا بمحذوف لأنها صفةٌ لعهد في الأصل ، فلما قُدِّمَتْ نُصِبَتْ حالاً ، و " عند " يجوز أن تكون متعلقةً ب " يكون " أو بمحذوفٍ على أنها صفةٌ ل " عَهْد " أو متعلقةً بنفس " عهد " لأنه مصدر . الثاني : أن يكون الخبر " للمشركين " و " عند " على هذا فيها الأوجهُ المتقدمة . ونزيد وجهاً رابعاً وهو أنه يجوز أن يكونَ ظرفاً للاستقرار الذي تعلَّق به " للمشركين " . والثالث : أن يكون الخبرُ " عند الله " و " للمشركين " على هذا : إمَّا تبيين ، وإمَّا متعلقٌ ب " يكون " عند مَنْ يجيز ذلك كما تقدم ، وإمَّا حال من " عهد " ، وإمَّا متعلقٌ بالاستقرار الذي تعلَّق به الخبر . ولا يُبالَى بتقديم معمولِ الخبرِ على الاسم لكونِهِ حرفَ جر . و " كيف " على هذين الوجهين الأخيرين مُشْبِهةٌ بالظرف أو بالحال كما تقدَّم تحقيقه في { كَيْفَ تَكْفُرُونَ } [ البقرة : 28 ] .
ولم يذكروا هنا وجهاً رابعاً وكان ينبغي أن يكونَ هو الأظهر - وهو أن يكونَ الكونُ تاماً بمعنى : كيف يوجد عهدٌ للمشركين عند الله ؟ ، والاستفهامُ هنا بمعنى النفي ، ولذلك وقع بعده الاستثناء ب " إلا " ، ومِنْ مجيئه بمعنى النفي أيضاً قولُه :
2454 فهذي سيوفٌ يا صُدَيُّ بنَ مالكٍ *** كثيرٌ ولكن كيف بالسيفِ ضاربُ
قوله : { إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ } فيه وجهان أحداهما : أنه استثناءٌ منقطع أي : لكن الذين عاهدتم فإنَّ حُكْمَهم كيت وكيت . والثاني : أنه متصلٌ وفيه حينئذٍ احتمالان ، أحدهما : أنه منصوبٌ على أصل الاستثناء من المشركين . والثاني : أنه مجرورٌ على البدل منهم ، لأنَّ معنى الاستفهامِ المتقدمِ نفيٌ ، أي : ليس يكونُ للمشركين عهدٌ إلا للذين لم ينكُثوا . فقياسُ قولِ أبي البقاء فيما تقدَّم أن يكون مرفوعاً بالابتداء ، والجملةُ من قوله " فما استقاموا " خبرُه .
قوله : { فَمَا } يجوز في " ما " أن تكونَ مصدريةً ظرفيةً ، وهي في محلِّ نصبٍ على ذلك أي : فاستقيموا لهم مدةَ استقامتِهم لكم . ويجوز أن تكونَ شرطيةً ، وحينئذٍ ففي محلِّها وجهان ، أحدهما : أنها في محلِّ نصبٍ على الظرف الزماني ، والتقدير : أيَّ زمانٍ استقاموا لكم فاستقيموا لهم . ونظَّره أبو البقاء بقولِه تعالى :
{ مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } [ فاطر : 2 ] . والثاني : أنها في محل رفع بالابتداء ، وفي الخبر الأقوالُ المشهورة ، و " فاستقيموا " : جوابُ الشرط . وهذا نحا إليه الحوفي ، ويحتاج إلى/ حذفِ عائد أي : أيُّ زمانٍ استقاموا لكم فيه ، فاستقيموا لهم . وقد جوَّز الشيخ جمال الدين ابنُ مالك في " ما " المصدرية الزمانية أن تكونَ شرطيةً جازمة ، وأنشد على ذلك :
2455 فما تَحْيَ لا نسْأَمْ حياةً وإن تَمُتْ *** فلا خيرَ في الدنيا ولا العيشِ أجمعا
ولا دليل فيه لأنَّ الظاهرَ الشرطيةُ من غير تأويلٍ بمصدرية وزمانٍ ، قال أبو البقاء : " ولا يجوز أن تكونَ نافيةً لفساد المعنى ، إذ يصير المعنى : استقيموا لهم لأنهم لم يَسْتقيموا لكم " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.