جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{كَيۡفَ يَكُونُ لِلۡمُشۡرِكِينَ عَهۡدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِۦٓ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ فَمَا ٱسۡتَقَٰمُواْ لَكُمۡ فَٱسۡتَقِيمُواْ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ} (7)

{ كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله } ، استفهام إنكار ، أي : يمكن ذلك وهم على الشرك والكفر وخبر يكون " عند{[1917]} الله " و " كيف " حال من العهد ، { إلا الذين عاهدتم عند المسجد{[1918]} الحرام } ، يعني يوم الحديبية ومحله الجر والنصب على الاستثناء المتصل ، لأنه في معنى ليس للمشركين عهد إلا الذين ، أو منقطع أي : لكن تربصوا أمرهم ولا تقاتلوهم ، { فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم } ، أي : فإن استقاموا على الوفاء بالعهد فاستقيموا أنتم أيضا " فما " شرطية ، { إن الله يحب المتقين } ، والوفاء بالعهد من التقوى ، هم أهل{[1919]} مكة{[1920]} نقضوا عهدهم وقاتلوا حلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعند ذلك قاتلهم وفتح مكة وقال بعضهم : هم قبائل{[1921]} من بني بكر قد دخلوا في عهد قريش يوم الحديبية ولم ينقضوا والناقض قريش وبعض قبائل بني بكر فإن بني ضمرة ممن استمر على عهده فما قاتلهم أحد حتى أسلموا بلا مقاتلة .


[1917]:وجاز أن يكون خبر"يكون للمشركين" و"عند الله" ظرف للعهد/12 منه.
[1918]:هذه الآية تدل على صحة ما نقلنا عن الأكثرين ورجحناه بأنه ثابت عن علي رضي الله عنه فتدبر/12 منه.
[1919]:فإنهم عاهدوا عام الحديبية على أن يضعوا الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ودخلت خزاعة في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ودخل بنو بكر في عهد قريش ثم عدت بنو بكر على خزاعة فنالت منها وأعانتهم قريش بالسلاح فلما تظاهر بنو بكر وقريش على خزاعة ونقضوا عهدهم خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى وقف على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فقال: "اللهم إني ناشد محمدا" إلى آخر ما قال من الأشعار، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: لا نصرت إن لم أنصركم وتجهز إلى مكة سنة ثمان حتى فتحها إلى تمام القصة/12 معالم. [رواه أبو يعلي عن حزام بن هشام بن حبيش عن أبيه عنها، وقد وثقهما ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح، كذا في المجمع (6/ 161)].
[1920]:أي: الذين عاهدتهم عند المسجد الحرام/12 منه.
[1921]:قال محيي السنة: هذا أقرب إلى الصواب، لأن هذه الآيات نزلت بعد نقض قريش العهد وبعد فتح مكة، فكيف يقول لشيء قد مضى "فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم"، وإنما هم الذين قال الله عز وجل "إلا الذين عاهدتهم من المشركين ثم لم ينقضوكم شيئا": يعني كما نقضكم قريش، "ولم يظاهروا عليكم أحدا" كما ظاهرت قريش بني بكر على خزاعة حلفاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم-. انتهى ما قاله محيي السنة. قال المصنف في المنبهات بعد نقل هذا القول: وأنت إن تأملت في بعض الآيات لعرفت أن الظاهر أن نزولها قبل الفتح/12.