معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَوَجَدَا عَبۡدٗا مِّنۡ عِبَادِنَآ ءَاتَيۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَعَلَّمۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمٗا} (65)

قوله تعالى : { فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة } أي : نعمة { من عندنا وعلمناه من لدنا علماً } ، أي : علم الباطن إلهاماً ، ولم يكن الخضر نبياً عند أكثر أهل العلم يقول : جئتك لأتبعك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَوَجَدَا عَبۡدٗا مِّنۡ عِبَادِنَآ ءَاتَيۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَعَلَّمۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمٗا} (65)

و «العبد » هو الخضر في قول الجمهور بمقتضى الأحاديث ، وخالف من لا يعتد بقوله فقال ليس ، صاحب موسى بالخضر بل هو عالم آخر ، والخضر نبي عند الجمهور ، وقيل هو عبد صالح غير نبي ، والآية تشهد بنبوته لأن بواطن أفعاله هل كانت إلا بوحي الله ، وروي في الحديث أن موسى عليه السلام وجد الخضر مسجى في ثوبه مستلقياً على الأرض فقال له السلام عليك ، فرفع الخضر رأسه وقال وأنى بأرضك السلام ؟ ثم قال له من أنت ؟ قال أنا موسى ، قال موسى بني إسرائيل ؟ قال نعم ، قال له ألم يكن لك في بني إسرائيل ما يشغلك عن السفر إلى هنا ؟ قال بلى ، ولكني أحببت لقاءك ، وأن أتعلم منك ، قال له إني على علم من علم الله علمنيه ، لا تعلمه أنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه أنا .

قال القاضي أبو محمد : كان علم الخضر معرفة بواطن قد أوحيت إليه لا تعطي ظواهر الأحكام أفعاله بحسبها . وكان علم موسى عليه السلام علم الأحكام والفتيا بظاهر أقوال الناس وأفعالهم . وروي أن موسى وجد الخضر قاعداً على تيح البحر ، وسمي الخضر خضراً لأنه جلس على فروة يابسة فاهتزت تحته خضراء ، روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم{[1]} ، و «الرحمة » في هذه الآية النبوءة ، وقد ذكرنا الحديث المضمن أن سبب هذه القصة أن موسى عليه السلام ، قيل له تعلم أحداً أعلم منك ، قال : لا ، وحكى الطبري حديثاً آخر ، مضمنه : أن موسى عليه السلام قال : من قبل نفسه : أي رب ، أي عبادك أعلم ؟ قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة خير تهديه ، قال رب فهل في الأرض أحد ؟ قال نعم فسأل السبيل إلى لقيه{[2]} ، والحديث الأول في صحيح البخاري ، وقرأ الجمهور «من لدنّا » بتشديد النون وقرأ أبو عمرو من «لدُنا » بضم الدال وتخفيف النون ، قال أبو حاتم هما لغتان .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَوَجَدَا عَبۡدٗا مِّنۡ عِبَادِنَآ ءَاتَيۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَعَلَّمۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمٗا} (65)

المراد بالعبد : الخضر ، ووصف بأنه من عباد الله تشريفاً له ، كما تقدم عند قوله تعالى : { سبحان الذي أسرى بعبده } [ الإسراء : 1 ] .

وعدل عن الإضافة إلى التنكير والصفة لأنه لم يسبق ما يقتضي تعريفه ، وللإشارة إلى أن هذا الحال الغريب العظيم الذي ذكر من قصته ما هو إلا من أحوال عباد كثيرين لله تعالى . وما منهم إلا له مقام معلوم .

وإيتاء الرحمة يجوز أن يكون معناه : أنه جُعل مرحوماً ، وذلك بأن رفق الله به في أحواله . ويجوز أن يكون جعلناه سبب رحمة بأن صرفه تصرفاً يجلب الرحمة العامة . والعلم من لدن الله : هو الإعلام بطريق الوحي .

و ( عند ) و ( لدن ) كلاهما حقيقته اسمُ مكان قريب . ويستعملان مجازاً في اختصاص المضاف إليه بموصوفهما .

و ( من ) ابتدائية ، أي آتيناه رحمةً صدرت من مكان القُرب ، أي الشرف وهو قرب تشريف بالانتساب إلى الله ، وعلماً صدر منه أيضاً . وذلك أن ما أوتيه من الولاية أو النبوءة رحمة عزيزة ، أو ما أوتيه من العلم عزيز ، فكأنهما مما يدخر عند الله في مكان القرب التشريفي من الله فلا يُعطى إلا للمصطفيَن .

والمخالفة بين { من عندنا } وبين { من لدنا } للتفنن تفادياً من إعادة الكلمة .