السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَوَجَدَا عَبۡدٗا مِّنۡ عِبَادِنَآ ءَاتَيۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَعَلَّمۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمٗا} (65)

{ فوجدا عبداً من عبادنا } مضافاً إلى حضرة عظمتنا قيل : كان ملكاً من الملائكة والصحيح الذي جاء في التواريخ ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه الخضر واسمه بليا بن ملكان وكنيته أبو العباس ، قيل : كان من بني إسرائيل وقيل : من أبناء الملوك الذين تنزهوا وتركوا الدنيا ، والخضر لقب سمي بذلك لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء والفروة قطعة نبات مجتمعة يابسة ، وقيل : سمي خضراً لأنه كان إذا صلى اخضرّ ما حوله ، روي أن موسى عليه السلام رأى الخضر مسجى موكأ فسلم عليه فقال الخضر : وأني بأرضك السلام ، قال : أنا موسى أتيتك تعلمني مما علمت رشداً ، وفي رواية لقيه وهو مسجى بثوب مستلقياً على قفاه بعض الثوب تحت رأسه وبعضه تحت رجليه ، وفي رواية لقيه وهو يصلي ، ويروى لقيه وهو على طنفسة خضراء على كبد البحر ، وروي أن موسى عليه السلام لما وصل إليه قال : السلام عليك ، فقال : وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل ، فقال موسى : ما عرّفك هذا ؟ فقال : الذي بعثك إليّ ، وكان الخضر في أيام أفريدون وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر وبقي إلى أيام موسى ، وقيل : إن موسى سأل ربه أيّ عبادك أحب إليك ؟ قال : «الذي يذكرني ولا ينساني » ، قال : فأي عبادك أقضى ؟ قال : «الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى » فقال : فأي عبادك أعلم ؟ قال : «الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى » ، فقال : إن كان في عبادك أفضل مني فادللني عليه قال : أعلم منك الخضر ، قال : أين أطلبه ؟ قال : على ساحل عند الصخرة ، قال كيف لي به ؟ قال : تأخذ حوتاً في مكتل فحيث فقدته فهو هناك { آتيناه } بعظمتنا { رحمة من عندنا } أي : وحياً ونبوة وكونه نبياً هو قول الجمهور ، وقيل : إنه ليس بنبي . قال البغوي : عند أهل العلم أي : فعندهم أنه وليّ { وعلمناه من لدنا } أي : مما لم يجر على قوانين العادات على أنه ليس بمستغرب عند أهل الاصطفاء { علماً } قذفناه في قلبه بغير واسطة ، وأهل التصوّف سموا العلم بطريق المكاشفة العلم اللدني فإذا سعى العبد في الرياضات بتزين الظاهر بالعبادات وتخلي النفس عن العلائق وعن الأخلاق الرذيلة بتحليتها بالأخلاق الجميلة صارت القوى الحسية والخيالية ضعيفة فإذا ضعفت قويت القوى العقلية وأشرقت الأنوار الإلهية في جوهرة العقل وحصلت المعارف وكملت العلوم من غير واسطة سعي وطلب في التفكر والتأمّل وهذا هو المسمى بالعلوم اللدنية ، ثم أورد سبحانه وتعالى القصة على طريق الاستئناف على تقدير سؤال سائل عن كل كلام يرشد إليه ما قبله وذلك أنه من المعلوم أنّ الطالب للشخص إذا لقيه كمله لكن لا يعرف عين ذلك الكلام فقال : لمن ؟ كأنه سأل عن ذلك