البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَوَجَدَا عَبۡدٗا مِّنۡ عِبَادِنَآ ءَاتَيۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَعَلَّمۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمٗا} (65)

{ فوجدا } أي موسى والفتى { عبداً من عبادنا } هذه إضافة تشريف واختصاص ، وجداه عند الصخرة التي فقد الحوت عندها وهو مسجى في ثوبه مستلقياً على الأرض فقال : السلام عليك فرفع رأسه ، وقال : أنى بأرضك السلام ثم قال له ، من أنت ؟ قال : أنا موسى ، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم ، قال له : ألم يكن لك في بني إسرائيل ما يشغلك عن السفر إلى هنا ؟ قال : بلى ، ولكن أحببت لقاءك وأن أتعلم منك ، قال له : إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت ، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه أنا .

والجمهور على أنه الخضر وخالف من لا يعتد بخلافه فزعم أنه عالم آخر .

وقيل : اليسع .

وقيل : الياس .

وقيل : خضرون ابن قابيل بن آدم عليه السلام .

قيل : واسم الخضر بليا بن ملكان ، والجمهور على أن الخضر نبي وكان علمه معرفة بواطن قد أوحيت إليه ، وعلم موسى الأحكام والفتيا بالظاهر .

وروي أنه وجد قاعداً على ثبج البحر .

وفي الحديث سمي خضراً لأنه جلس على فروة بالية فاهتزت تحته خضراء .

وقيل : كان إذا صلى اخضّر ما حوله .

وقيل : جلس على فروة بيضاء وهي الأرض المرتفعة .

وقيل : الصلبة واهتزت تحته خضراء .

وقيل : كانت أمه رومية وأبوه فارسي .

وقيل : كان ابن ملك من الملوك أراد أبوه أن يستخلفه من بعده فلم يقبل منه ولحق بجزائر البحر فطلبه أبوه فلم يقدر عليه .

والجمهور على أنه مات .

وقال شرف الدين أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي : أما خضر موسى بن عمران فليس بحي لأنه لو كان حياً للزمه المجيء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم والإيمان به واتباعه .

وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لو كان موسى وعيسى حيين لم يسعهما إلاّ اتباعي » انتهى . هكذا ورد لحديث ومذهب المسلمين أن عيسى حي وأنه ينزل من السماء ، ولعل الحديث : « لو كان موسى حياً لم يسعه إلاّ اتباعي » .

والرحمة التي آتاه الله إياها هي الوحي والنبوة .

وقيل : الرزق .

{ وعلمناه من لدنّا علماً } أي من عندنا أي مما يختص بنا من العلم وهو الإخبار عن الغيوب .

وقرأ أبو زيد عن أبي عمرو { من لدنّا } بتخفيف النون وهي لغة في لدن وهي الأصل .

قيل : وقد أولع كثير ممن ينتمي إلى الصلاح بادعاء هذا العلم ويسمونه العلم اللدني ، وأنه يلقى في روع الصالح منهم شيء من ذلك حتى يخبر بأن من كان من أصحابه هو من أهل الجنة على سبيل القطع ، وأن بعضهم يرى الخضر .

وكان قاضي القضاة أبو الفتح محمد بن عليّ بن مطيع القشيري المعروف بابن دقيق العيد يخبر عن شيخ له أنه رأى الخضر وحدثه ، فقيل له : من أعلمه أنه الخضر ؟ ومن أين عرف ذلك ؟ فسكت .

وبعضهم يزعم أن الخضرية رتبة يتولاها بعض الصالحين على قدم الخضر ، وسمعنا الحديث عن شيخ يقال له عبد الواحد العباسي الحنبلي وكان أصحابه الحنابلة يعتقدون فيه أنه يجتمع بالخضر .