الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَوَجَدَا عَبۡدٗا مِّنۡ عِبَادِنَآ ءَاتَيۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَعَلَّمۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمٗا} (65)

قوله تعالى : " فوجدا عبدا من عبادنا " العبد هو الخضر عليه السلام في قول الجمهور ، وبمقتضى الأحاديث الثابتة وخالف من لا يعتد بقوله ، فقال : ليس صاحب موسى بالخضر بل هو عالم آخر وحكى أيضا هذا القول القشيري ، قال : وقال قوم هو عبد صالح ، والصحيح أنه كان الخضر ، بذلك ورد الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال مجاهد : سمي الخضر لأنه كان إذا صلى اخْضَرَّ ما حوله ، وروى الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء ) هذا حديث صحيح غريب . الفروة هنا وجه الأرض ، قاله الخطابي وغيره . والخضر نبي عند الجمهور . وقيل : هو عبد صالح غير نبي ، والآية تشهد بنبوته ؛ لأن بواطن أفعاله لا تكون إلا بوحي . وأيضا فان الإنسان لا يتعلم ولا يتبع إلا من فوقه ، وليس يجوز أن يكون فوق النبي من ليس نبي وقيل : كان ملكا أمر الله موسى أن يأخذ عنه مما حمله من علم الباطن . والأول الصحيح ، والله أعلم .

قوله تعالى : " آتيناه رحمة من عندنا " الرحمة في هذه الآية النبوة وقيل : النعمة . " وعلمناه من لدنا علما " أي علم الغيب ، ابن عطية : كان علم الخضر علم معرفة بواطن قد أوحيت إليه ، لا تعطي ظواهر الأحكام أفعاله بحسبها ، وكان علم موسى علم الأحكام والفتيا بظاهر أقوال الناس وأفعالهم .