{ وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم } ، أوثانهم التي ادعوها شركاء ، أو الشياطين الذين شاركوهم في الكفر بالحمل عليه . { قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك } ، نعبدهم أو نطيعهم ، وهو اعتراف بأنهم كانوا مخطئين في ذلك ، أو التماس لأن يشطر عذابهم . { فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون } ، أي : أجابوهم بالتكذيب في أنهم شركاء الله ، أو أنهم ما عبدوهم حقيقة ، وإنما عبدوا أهواءهم كقوله تعالى : { كلا سيكفرون بعبادتهم } ، ولا يمتنع إنطاق الله الأصنام به حينئذ ، أو في أنهم حملوهم على الكفر ، وألزموهم إياه ، كقوله : { وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي } .
أخبر الله تعالى في هذه الآية أن المشركين إذا رأوا يوم القيامة بأبصارهم الأوثان والأصنام وكل معبود من دون الله ، لأنها تحشر معهم توبيخاً لهم على رؤوس الأشهاد ، أشاروا إليهم وقالوا : هؤلاء كنا نعبد من دون الله ، أرادوا بذلك تذنيب المعبودين وإدخالهم في المعصية ، وأضافوا الشركاء إلى أنفسهم من حيث هم جعلوهم شركاء ، وهذا كما يصف رجل آخر بأنه خير ، فتقول أنت : ما فعل خيرك ، فأضفته إليه من حيث وصفه هو بتلك الصفة ، والضمير في { أقول } عائد على الشركاء ، فمن كان من المعبودين من البشر ألقى القول المعهود بلسانه ، وما كان من الجمادات تكلمت بقدرة الله بتكذيب المشركين في وصفهم بأنهم آلهة وشركاء لله ، ففي هذا وقع الكذب لا في العبادة . وقال الطبري : المعنى " إنكم لكاذبون " : ما كنا ندعوكم إلى عبادتنا .
{ الذين أشركوا } هم الذين ظلموا الذين يرون العذاب ، وهم الذين كفروا الذين لا يؤذن لهم . وإجراء هذه الصّلات الثلاث عليهم لزيادة التسجيل عليهم بأنواع إجرامهم الراجعة إلى تكذيب ما دعاهم الله إليه ، وهو نكتة الإظهار في مقام الإضمار هنا ، كما تقدّم في قوله تعالى : { وإذا رءا الذين ظلموا العذاب } [ سورة النحل : 85 ] .
فالإشراك المقصود هنا هو إشراكهم الأصنام في صفة الإلهية مع الله تعالى ، فيتعيّن أن يكون المراد بالشركاء الأصنام ، أي الشركاء لله حسب اعتقادهم . وبهذا الاعتبار أضيف لفظ شركاء إلى ضمير { الذين ظلموا } في قوله تعالى : { شركاءهم } ، كقول خالد بن الصقعب النهدي لعمرو بن معديكرب وقد تحدّث عَمْرو في مجلس قوم بأنه أغار على بني نهد وقتل خالداً ، وكان خالد حاضراً في ذلك المجلس فناداه : مهلاً أبا ثور قتيلُك يسمع ، أي قتيلك المزعوم ، فالإضافة للتهكّم . والمعنى : إذا رأى الذين أشركوا الشركاء عندهم ، أي في ظنّهم .
ولك أن تجعل لفظ « شركاء » لقباً زال منه معنى الوصف بالشركة وصار لقباً للأصنام ، فتكون الإضافة على أصلها .
والمعنى : أنهم يرون الأصنام حين تقذف معهم في النار ، قال تعالى : { وقودها الناس والحجارة } [ سورة البقرة : 24 ] .
وقولهم : { ربنا هؤلاء شركاؤنا } إما من قبيل الاعتراف عن غير إرادة فضحاً لهم ، كقوله تعالى : { يوم تشهد عليهم ألسنتهم } [ سورة النور : 24 ] ، وإما من قبيل التنصّل وإلقاء التّبعة على المعبودات كأنهم يقولون هؤلاء أغروَنا بعبادتهم من قبيل قوله تعالى : { وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرّة فنتبرّأ منهم كما تبرّأوا منا } [ سورة البقرة : 167 ] .
والفاء في { فألقوا } للتّعقيب للدّلالة على المبادرة بتكذيب ما تضمّنه مقالهم ، أنطق الله تلك الأصنام فكذّبت ما تضمّنه مقالهم من كون الأصنام شركاء لله ، أو من كون عبادتهم بإغراء منها تفضيحاً لهم وحسرة عليهم .
والجمع في اسم الإشارة واسم الموصول جمعُ العقلاء جرياً على اعتقادهم إلهية الأصنام .
ولما كان نطق الأصنام غير جار على المتعارف عبّر عنه بالإلقاء المؤذن بكون القول أجراه الله على أفواه الأصنام من دون أن يكونوا ناطقين فكأنه سقط منها .
وإسناد الإلقاء إلى ضمير الشركاء مجاز عقلي لأنها مَظهره .
وأجرى عليهم ضمير جمع العقلاء في فعل « ألقوا » مُشاكلةً لاسم الإشارة واسم الموصول للعقلاء .
ووصفهم بالكذب متعلّق بما تضمّنه كلامهم أن أولئك آلهة يُدعون من دون الله على نحو ما وقع في الحديث : " فيقال للنّصارى : ما كنتم تعبدون ، فيقولون : كنا نعبد المسيح ابن الله ، فيقال لهم : كذبتم ما اتّخذَ الله من ولد " . وأما صريح كلامهم وهو قولهم : { هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك } فهم صادقون فيه .
وجملة { إنكم لكاذبون } بدل من { القول } . وأعيد فعل { ألقَوا } في قوله : { وألقوا إلى الله يومئذٍ السلم } لاختلاف فاعل الإلقاء ، فضمير القول الثاني عائد إلى { الذين أشركوا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.