معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ} (10)

قوله تعالى : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين }

اختلفوا في هذا الدخان : أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن كثير ، عن سفيان ، حدثنا منصور والأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال : " بينما رجل يحدث في كندة ، فقال : يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ، ويأخذ المؤمنين كهيئة الزكام ، ففزعنا فأتيت ابن مسعود وكان متكئاً فغضب فجلس ، فقال : من علم فليقل ، ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم ، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم : لا أعلم ، فإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين } ( ص-86 ) ، وإن قريشاً أبطؤوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال :اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام ، ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان ، فجاء أبو سفيان فقال : يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم ، وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم ، فقرأ : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } إلى قوله : { إنكم عائدون } أفيكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء ؟ ثم عادوا إلى كفرهم ، فذلك قوله : { يوم نبطش البطشة الكبرى } يعني يوم بدر و لزاماً يوم بدر ، { الم * غلبت الروم } إلى { سيغلبون } ( الروم 2-3 ) ، والروم قد مضى ورواه محمد بن إسماعيل عن يحيى عن وكيع عن الأعمش ، قال : قالوا : { ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون } فقيل له : إن كشفنا عنهم عادوا إلى كفرهم ، فدعا ربه فكشف عنهم فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر ، فذلك قوله : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } إلى قوله : { إنا منتقمون } . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يحيى ، حدثنا وكيع عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : " خمس قد مضين اللزام والروم والبطشة والقمر والدخان . وقال قوم : هو دخان يجيء قبل قيام الساعة ولم يأت بعد ، فيدخل في أسماع الكفار والمنافقين حتى يكون كالرأس الحنيذ ، ويعتري المؤمن منه كهيئة الزكام وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه النار " ، وهو قول ابن عباس وابن عمر والحسن .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا عقيل بن محمد الجرجاني ، حدثنا أبو الفرج المعافى بن زكريا البغدادي ، حدثنا محمد بن جرير الطبري ، حدثني عصام بن رواد بن الجراح ، حدثنا أبي ، أنبأنا أبو سفيان بن سعيد ، حدثنا منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش قال : سمعت حذيفة بن اليمان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول الآيات الدخان ، ونزول عيسى بن مريم ، ونار تخرج من قعر عدن أبين ، تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا ، قال حذيفة : يا رسول الله وما الدخان ؟ فتلا هذه الآية : { يوم تأتي السماء بدخان مبين } يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوماً وليلة ، أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام ، وأما الكافر فكمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره " .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ} (10)

{ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } في هذا قولان .

أحدهما : قول علي بن أبي طالب وابن عباس أن الدخان يكون قبل يوم القيامة يصيب المؤمن منه مثل الزكام وينضج رؤوس الكافرين والمنافقين وهو من أشراط الساعة ، وروى حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أول أشراط الساعة الدخان " .

والثاني : قول ابن مسعود إن الدخان عبارة عما أصاب قريشا حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجدب فكان الرجل يرى دخانا بينه وبين السماء من شدة الجوع قال ابن مسعود : خمس قد مضين : الدخان و اللزام والبطشة والقمر والدوم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ} (10)

ولما كان هذا موضع أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم المفهوم من{[57327]} السياق : فماذا صنع فيهم بعد هذا البيان{[57328]} ، الذي لم يدع لبساً لإنسان{[57329]} ؟ سبب عن ذلك قوله تسلية له وتهديداً لهم : { فارتقب } أي انتظر{[57330]} بكل جهد عالياً عليهم ناظراً لأحوالهم نظر من هو حارس لها ، متحفظاً من مثلها بهمة كهمة الأسد الأرقب ، والفعل متعد ولكنه قصر تهويلاً لذهاب الوهم في مفعوله كل مذهب ، ولعل المراد في الأصل ما يحصل من أسباب نصرك وموجبات خذلانهم { يوم تأتي السماء } أي فيما يخيل للعين لما يغشي البصر من شدة الجهد بالجوع إن كان المراد ما حصل [ لهم-{[57331]} ] من المجاعة الناشئة عن القحط الذي سببه قوله صلى الله عليه وسلم " اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف " وروي في الصحيح{[57332]} أن الرجل منهم كان يرى ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان ، وفي الواقع{[57333]} أن المراد عند قرب الساعة وعقب قيامها ، فإنه ورد أنه يأتي إذ ذاك فيغشي الناس ويحصل للمؤمن منه كهيئة الزكام ، ويجوز أن [ يكون-{[57334]} ] المراد أعم{[57335]} من ذلك كله وأوله{[57336]} وقت القحط [ وكان آية على ما بعده ، أو منه ما يأتي عند خروج الدخان من القحط-{[57337]} ] الذي يحصل قبله{[57338]} أو غيره كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صياد : " إني قد خبأت لك خبأ{[57339]} فما هو ؟ " قال{[57340]} : الدخ ، ففسر بالدخان ، فلذلك قال تعالى : { بدخان مبين } أي واضح{[57341]} لا لبس{[57342]} فيه عند رائيه{[57343]} ومبين{[57344]} لما سواه من الآيات للفطن


[57327]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[57328]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[57329]:من مد، وفي الأصل و ظ: لا لشان
[57330]:من ظ ومد، وفي الأصل: انظر.
[57331]:زيد من مد.
[57332]:راجع 2/714.
[57333]:من مد، وفي الأصل و ظ: المراقع.
[57334]:زيد من مد.
[57335]:من مد، وفي الأصل و ظ: أعلم
[57336]:من ظ ومد، وفي الأصل: أدله.
[57337]:زيد من ظ و مد.
[57338]:من مد، وفي الأصل و ظ: قوله
[57339]:من مد، وفي الأصل و ظ: قال فما هو.
[57340]:من مد، وفي الأصل و ظ: قال فما هو.
[57341]:من مد، وفي الأصل و ظ: ليس.
[57342]:من مد، وفي الأصل و ظ: ليس.
[57343]:من مد، وفي الأصل و ظ: رايه.
[57344]:من ظ ومد، وفي الأصل: يبين.