الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ} (10)

ثم قال تعالى : { فارتقب يوم تاتي السماء بدخان مبين } أي : فانتظر يا محمد ){[62036]} النقمة منهم وقت يحول بينهم وبين السماء دخان من{[62037]} شدة الجوع .

بلغ بهم الجوع إلى أن كانوا يأكلون الغلهز ، والغلهز{[62038]} أن يفقأ القُراد{[62039]} في الصوف . ويشوى ذلك الصوف بدم القراد ويؤكل . والقراد : الحلم . فرحمهم النبي صلى الله عليه وسلم وبعث إليهم بصدقة ومال .

ومفعول{[62040]} : ( فارتقب ) محذوف ، وهو النقمة وشبهها .

وقيل : التقدير هذا عذاب أليم فارتقبه{[62041]} يوم تأتي ، وفيه بُعْدٌ لحذف الهاء من غير صلة ولا صفة ، ولأنه رفع ( العذاب ) مع حذف الهاء ، وذلك لا يحسن إلا في الشعر .

وقد حَلَّ ( بقريش ذلك كله ){[62042]} ، إذ دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " اللهم سنين كسني يوسف " {[62043]} .

فأُخِذُوا بالجوع . فكان الرجل يحول بينه وبين النظر إلى السماء دخان من شدة الجوع ، فيصير كهيئة{[62044]} الدخان ، هذا قول ابن مسعود وغيره من المفسرين{[62045]} .

وقيل : الدخان آية من آيات{[62046]} الله يرسله الله عز وجل على عباده قبل مجيء الساعة فيدخل في أسماع الكفر{[62047]} ويعتري أهل الإيمان كهيئة الزكام ، روي ذلك عن ابن عمر والحسن{[62048]} .

وروى حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أول الآيات الدخان ، ونزول عيسى ، ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تقيل{[62049]} معهم إذا قالوا " {[62050]} . قال حذيفة : يا رسول الله وما الدخان ؟ . فتلا{[62051]} رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { فارتقب يوم تاتي السماء بدخان مبين } – الآية{[62052]} ، ثم قال : " ( يملك بالدخان ){[62053]} ما بين ( المشرق والمغرب ) يمكث أربعين يوما وليلة . أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة ، وأما الكافر فكهيئة السكران ، يخرج من منخريه{[62054]} وأذنيه ودبره " {[62055]} .

وقيل : إن الدخان هو ما ينتظر بهم يوم القيامة من العذاب ، قاله زيد بن علي{[62056]} .


[62036]:في طرة (ت).
[62037]:في طرة (ت).
[62038]:(ت): (الغلهز والغلهز) و(ح): لعلهن والعلهن). والتصويب من مصادر شرح هذه المفردة. والعلهز: دم يخلط بوبر الإبل ويشوي بالنار كانوا يأكلونه في سني المجاعة، وقيل: العلهز: شيء ينبت ببلاد بني سليم له أصل كأصل البردي.
[62039]:القُراد هو: ما تَمَعَّط من الوبر والصوف وتَلَبََّد (انظر اللسان مادة: قرد).
[62040]:(ت): (ومفعل) و(ح): (فمفعول).
[62041]:(ح): (فارتقب).
[62042]:(ح): ذلك كله بقريش.
[62043]:أخرجه البخاري في كتاب الجهاد باب 98 ح 9232 عن أبي هريرة بلفظه، وأخرجه مسلم في كتاب المنافقين ج 4/2155 والترمذي في كتاب التفسير (سورة الدخان) وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه النسائي في تفسيره 2/278 ح 501، وأحمد 1/381 و431، والحميدي ج 1/63 ح 116، والطيالسي ح 293 كلهم عن عبد الله بمعناه.
[62044]:(ح): هيئة.
[62045]:انظر جامع البيان 25/68، والمحرر الوجيز 14/286، وجامع القرطبي 16/131، وتفسير ابن كثير 4/139، ولباب النقول 194، وتفسير ابن مسعود 563. وقد ورد في جامع البيان مختصرا، ونسبة ابن عطية في المحرر الوجيز إلى ابن مسعود وأبي العالية وإبراهيم النخعي.
[62046]:(ت): آية.
[62047]:(ح): الكفر به.
[62048]:انظر جامع البيان 25/68، وجامع القرطبي 16/130. ورواه ابن عطية في المحرر الوجيز 14/285 إلى ابن عمر والحسن وابن عباس والخدري وعلي بن أبي طالب وزيد بن علي.
[62049]:(ح): (ثقيل).
[62050]:(ت): (قيلوا معهم).
[62051]:(ح): قال فتلا.
[62052]:ساقط من (ح).
[62053]:(ت): (تملى الدخان).
[62054]:(ح): منخريه.
[62055]:أخرجه الطبري في جامع البيان 25/68، وابن حجر في الكافي سورة الدخان ح 383. وقال ابن حجر: (وفي إسناده: رواد ابن الجراح، وهو متروك وقد اعترف بأنه لم يسمع هذا الحديث، وأورد ابن عطية هذا الحديث في المحرر الوجيز مختصرا 14/286.
[62056]:هو زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الإمام أبو الحسين العلوي الهاشمي القرشي، كانت إقامته بالكوفة، وقرأ على واصل بن عطاء. قتله الأمويون سنة 122 هـ. انظر الكامل لابن الأثير 5/242، وفوات الوفيات 1/164، والتقريب 1/276 ت 199.