تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ} (10)

الآية 10 وقوله تعالى : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } اختلف أهل التأويل فيه :

قال بعضهم : ليس هو على حقيقة الدخان ، ولكن على التمثيل والمجاز . ثم اختُلف في كيفية ذلك مع اتفاقهم أنه قد مضى ذلك ، وقد كان .

قال بعضهم : { بدخان } أي بجدب وقحط ، جعل الدخان كناية عن الجدب لوجوه :

أحدها : لما يقال : إن الجائع في القحط ، كان يرى بينه وبين السماء دخانا من شدة الجوع كالذي يشتد به العطش يرى السّراب ماء ؛ وذلك لأنه لما اشتد [ بهم ]{[19081]} الجوع ، ضعُفت أبصارهم ، وغطّاها الجوع ، فيكون الجوع سبب ترائي الدخان ، فاستُعير له .

[ والثاني ]{[19082]} : لأن في سنة الجدب تتيبّس الأرض ، وينقطع النبات ، فيرتفع الغبار ، ويصعد بالريح{[19083]} . فيُشبَّه ذلك الغبار الذي يرتفع من يُبس الأرض بالدخان [ ويسمّى بالدخان ]{[19084]} . ولذلك قيل : السّنة غبراء ، وقيل : جوع أغبر ، لأن العرب ربما وضعت الدخان مواضع الشر إذا علا ، فيقولون : لو كان يبِس أمر ارتفع له دخان ، وقالوا : إن هذا القحط الذي جعل الدخان كناية عنه ، قد كان ، فإنه اشتد بهم القحط ، وقلّت الأمطار ، ويبِست الأرض ، وارتفع الغبار ، وصعد بالريح كالدخان ، وضعُفت الأبصار لشدة الجوع حتى كانوا يرون السماء كأنها على ما رُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : كان أحدهم ينظر إلى السماء ، فيرى كهيئة الدخان /503-أن شدة الجوع .

وقال بعضهم : إن مثل الأرض يومئذ كمثل بيت أُوقد ليس فيه خُصاصة .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : قد مضى الدخان ، وهو سِنون كسني يوسف ، فجهد الناس ، والله أعلم .

ومنهم من يقول : هو على حقيقة الدخان ، وإنه لم يمض بعد ، وكذلك رُوي عن علي رضي الله عنه أنه قال : الدخان لم يمض بعد ، يأخذ المؤمن كهيئة الزكام ، وينفُخ الكافر حتى ينفذ ، وكذلك قول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه والحسن وغيرهما .

لكن صرف الدخان المذكور في الآية على التمثيل أشبه لأن الأمر إذا اشتدّ ، وبلغ نهايته ، يُشبه النار والدخان كقوله : { كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله } [ المائدة : 64 ] وليس هنالك نار ، لكن وصف شدة الحرب . فعلى ذلك جائز تشبيه ما اشتد بهم من الجوع والجدب والقحط بالدخان الذي ذكر . وكذلك يصف الناس الأمر إذا اشتدّ ؛ يقولون : هاج الدخان ، وثار ، والله أعلم .


[19081]:ساقطة من الأصل وم.
[19082]:في الأصل وم: و.
[19083]:في الأصل وم: الريح ليبسها.
[19084]:ساقطة من م.