اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ} (10)

قوله تعالى : { فارتقب يَوْمَ تَأْتِي السمآء } «يوم » منصوب بارتقب على الظرف ، ومفعول الارتقاب محذوف لدلالة ما بعده عليه ، وهو قوله : هذا عذاب أليم ، أي ارتقب وعيد الله في ذلك اليوم . ويجوز أن يكن «يوم » هو المفعول المرتقب{[50272]} .

فصل

اختلفوا في هذا الدخان ، فروى الضحاك عن مسروق قال : بينما رجل يُحَدِّث في كِنْدَةَ فقال يجيء دُخَانٌ يوم القيامة فيِأخذ بأسماعهم وأبصارهم ويأخذ المؤمن كهيئة الزكام ، ففزعنا فأتينا ابن مسعود ، وكان متكئاً فغضب فجلس فقال : من علم فليقل ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم : لا أعلم ، فإن الله تعالى قال لنبيه : { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ المتكلفين } [ ص : 86 ] .

وإن قريشاً لما اسْتَعْصَتْ عن الإسلام ، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : «اللَّهم أعِنِّي عليهم بسبع كسبع يوسف ، فأخذتهم سنة حتى هَلَكُوا فيها ، وأكلوا الميتة ، والعظامَ ، ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان ، فجاءه أبو سفيان فقال يا محمد : جئت كافراً بصلة الرحم ، وإن قومك قَدْ هلكوا ، فادعُ الله فقرأ : { فارتقب يَوْمَ تَأْتِي السمآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } إلى قوله { عَابِدُونَ } » وهذا قول ابن عباس ومقاتل ومجاهد{[50273]} واختيار الفراءِ{[50274]} والزجاجِ{[50275]} وهو قول ابن مسعود{[50276]} ، وكان ينكر أن يكون الدخان إلا الذي أصابهم من شدة الجوع كالظُّلْمَةِ على أبصارهم حتى كانوا كأنهم يرون دُخَاناً . وذكر ابن قتيبة في تفسير الدخان في هذه الحالة وجهين :

الأول : أن في سَنَةِ القحط لعِظَم يُبْسِ الأرض بسبب انْقِطَاع المطر يرتفع الغبارُ الكثيرُ ، ويُظْلم الهواء وذلك يشبه الدخان ، ويقولون : كان بيننا أمر ارتفع له دخان ولهذا يقال للسنة المُجْدِبة الغبراء .

الثاني : أن العرب يسمون الشيء الغالب بالدخان ، والسبب فيه أن الإنسان إذا اشتد خوفه أو ضعفه أظلمت عيناه ، ويرى الدنيا كالمملوءة من الدخان{[50277]} . وقيل : إنه دخان يظهر في العالم وهو إحدى علامات القيامة ، وهذا منقول عن علي بن أبي طالب ، وعن ابن عباس في المشهور{[50278]} عنه لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أَوَّل الآيَاتِ الدُّخَانُ ، ونزولُ عيِسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، ونارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَن تَسُوق النَّاسَ إلى المَحْشَرِ . قال حذيفة : يا رسول الله ، وما الدخانُ ؟ فَتَلاَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية به وكان يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوماً وليلة ، أما المؤمن فيصيبه كالزُّكْمَةِ . وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه ، وأذنيه ، دبره . ويكون الأرض كلها كبيت أُوقد فيه النار قال عليه الصلاة السلام : «بَاكِرُوا بالأَعْمَالِ » ، وذَكَر منها طلوعَ الشمسِ من مَغْرِبَها ، والدُّخَانَ والدابةَ ، رواه الحسن{[50279]} .

واحتج الأولون بأن الله تعالى حكى عنهم أنهم يقولون : ربنا اكشف عنّا العذاب إنا مؤمنون . فإذا حملناه على القحط الذي وقع في مكة استقام فإنه نقل أن الأمر لما اشتد على أهل مكة مَشَى إليه أبو سفيان فناشده الله والرَّحم وواعده إن دعا لهم وأزال الله عنهم تلك البليّة أن يؤمنوا به ، فلما أزاله الله عنهم رَجَعُوا إلى شركهم ، أما إذا حملناه على أن المراد منه ظهور علامة من علامات القيامة لم يصح ذلك ؛ لأن عند ظهور علامات القيامة لا يمكنهم أن يقولوا : ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ، ولم يصح أيضاً أن يقال لهم : { إنا كَاشِفُو العذاب قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ }{[50280]} .

فصل{[50281]}


[50272]:الكشاف 3/501 الثاني والأول رأي السمين في الدر 4/811.
[50273]:وانظر الكشاف 3/501 و502 والقرطبي 16/130 و131.
[50274]:معاني القرآن له 3/39.
[50275]:معاني القرآن وإعرابه له أيضا 4/424.
[50276]:القرطبي السابق.
[50277]:بتصرف من كتاب غريب القرآن له 2/402.
[50278]:ذكره الرازي ولم ينسبه إلى من قال به. انظر الرازي 27/242 والكشاف 3/502.
[50279]:الرازي المرجع السابق.
[50280]:الرازي المرجع السابق.
[50281]:هذا الفصل كله ساقط من نسخة ب.