قوله تعالى : { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً } . أي يهودياً ، قال الفراء : حذف الياء الزائدة ورجع إلى الفعل من اليهودية ، وقال الأخفش : الهود : جمع هائد ، مثل عائد وعود ، وحائل وحول .
قوله تعالى : { أو نصارى } . وذلك أن اليهود قالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان يهودياً ولا دين إلا دين اليهودية ، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً ولا دين إلا دين النصرانية . وقيل : نزلت في وفد نجران وكانوا نصارى اجتمعوا في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود فكذب بعضهم بعضا .
قوله تعالى : { تلك أمانيهم } . أي شهواتهم الباطلة التي تمنوها على الله بغير الحق .
قوله تعالى : { قل } . يا محمد .
قوله تعالى : { هاتوا } . أصله آتوا .
قوله تعالى : { برهانكم } . حجتكم على ما زعمتم .
قوله تعالى : { إن كنتم صادقين } . ثم قال ردا عليهم { بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } .
يبين تعالى اغترار اليهود والنصارى بما هم فيه ، حيث ادعت كل طائفة من اليهود والنصارى أنه لن يدخل الجنة إلا من كان على ملتها ، كما أخبر الله عنهم في سورة المائدة أنهم قالوا : { نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] . فأكذبهم الله تعالى بما أخبرهم أنه معذبهم بذنوبهم ، ولو كانوا كما ادعوا لما كان الأمر كذلك ، وكما تقدم من{[2530]} دعواهم أنه لن تمسهم النار إلا أياما معدودة ، ثم ينتقلون إلى الجنة . وردَّ عليهم تعالى في ذلك ، وهكذا قال لهم في هذه الدعوى التي ادعوها بلا دليل ولا حجة
ولا بينة ، فقال { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ }
وقال أبو العالية : أماني تمنوها على الله بغير حق . وكذا قال قتادة والربيع بن أنس .
ثم قال : { قُلْ } أي : يا محمد ، { هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ }
وقال أبو العالية ومجاهد والسدي والربيع بن أنس : حجتكم . وقال قتادة : بينتكم على ذلك . { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } كما تدعونه{[2531]} .
عطف على { ود كثير } [ البقرة : 109 ] وما بينهما من قوله : { فاعفوا واصفحوا } [ البقرة : 109 ] الآية اعتراض كما تقدم .
والضمير لأهل الكتاب كلهم من اليهود والنصارى بقرينة قوله بعده : { إلا من كان هوداً أو نصارى } . ومقول القول مختلف باختلاف القائل فاليهود قالت لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً ، والنصارى قالت لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى ، جمع القرآن بين قوليهما على طريقة الإيجاز بجمع ما اشتركا فيه وهو نفي دخول الجنة عن المستثنى منه المحذوف لأجل تفريع الاستثناء ، ثم جاء بعده تفريق ما اختص به كل فريق وهو قوله : { هوداً أو نصارى } فكلمة ( أو ) من كلام الحاكي في حكايته وليست من الكلام المحكي فأوْهنا لتقسيم القولين ليرجع السامع كل قول إلى قائله ، والقرينة على أن ( أو ) ليست من مقولهم المحكي أنه لو كان من مقولهم لاقتضى أن كلا الفريقين لا ثقة له بالنجاة وأنه يعتقد إمكان نجاة مخالفه والمعلوم من حال أهل كل دين خلاف ذلك فإن كلاً من اليهود والنصارى لا يشك في نجاة نفسه ولا يشك في ضلال مخالفه وهي أيضاً قرينة على تعيين كل من خبري { كان } لبقية الجملة المشتركة التي قالها كل فريق بإرجاع هوداً إلى مقول اليهود وإرجاع نصارى إلى مقول النصارى . فأو ههنا للتوزيع وهوضرب من التقسيم الذي هو من فروع كونها لأحد الشيئين وذلك أنه إيجاز مركب من إيجاز الحذف لحذف المستثنى منه ولجمع القولين في فعل واحد وهو { قالوا } ومن إيجاز القصر لأن هذا الحذف لما لم يعتمد فيه على مجرد القرينة المحوجة لتقدير وإنما دل على المحذوف من القولين بجلب حرف أو كانت ( أو ) تعبيراً عن المحذوف بأقل عبارة فينبغي أن يعد قسماً ثالثاً من أقسام الإيجاز وهو إيجاز حذف وقصر معاً .
وقد جعل القزويني في « تلخيص المفتاح » هاته الآية من قبيل اللف والنشر الإجمالي أخذاً من كلام « الكشاف » لقول صاحب « الكشاف » « فلف بين القولين ثقة بأن السامع يرد إلى كل فريق قوله وأمنا من الإلباس لما علم من التعادي بين الفريقين » فقوله : فلف بين القولين أراد به اللف الذي هو لقب للمحسن البديعي المسمى اللف والنشر ولذلك تطلبوا لهذا اللف نشراً وتصويراً للف في الآية من قوله { قالوا } : مع ما بينه وهو لف إجمالي يبينه نشره الآتي بعده ولذلك لقبوه اللف الإجمالي . ثم وقع نشر هذا اللف بقوله : { إلا من كان هوداً أو نصارى } فعلم من حرف { أو } توزيع النشر إلى ما يليق بكل فريق من الفريقين . وقال التفتزاني في { شرح المفتاح } جرى الاستعمال في النفي الإجمالي أن يذكر نشره بكلمة ( أو ) .
والهود جمع هائد أي متبع اليهودية وقد تقدم عند قوله تعالى : { إن الذين آمنوا والذين هادوا } [ البقرة : 62 ] الآية وجمع فاعل على فُعل غير كثير وهو سماعي منه قولهم عوذ جمع عائذ وهي الحديثة النتاج من الظباء والخيل والإبل ومنه أيضاً عائط وعوط للمرأة التي بقيت سنين لم تلد ، وحائل وحول ، وبازل وبزل ، وفاره وفُره ، وإنما جاء هوداً جمعاً مع أنه خبر عن ضميره { كان } وهو مفرد لأن { من } مفرداً لفظاً ومراد به الجماعة فجرى ضميره على مراعاة لفظه وجرى خبراً وضميراً على مراعاة المعنى .
والإشارة ب { تلك } إلى القولة الصادرة منهم { لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } كما هوالظاهر فالإخبار عنها بصيغة الجمع إما لأنها لما كانت أمنية كل واحد منهم صارت إلى أماني كثيرة وإما إرادة أن كل أمانيهم كهذه ومعتادهم فيها فيكون من التشبيه البليغ .
والأماني تقدمت في قوله : { لا يعلمون الكتاب إلا أماني } [ البقرة : 78 ] وجملة { تلك أمانيهم } معترضة .
وقوله : { قل هاتوا برهانكم } أمر بأن يجابوا بهذا ولذلك فصله لأنه في سياق المحاورة كما تقدم عند قوله : { قالوا أتجعل فيها } [ البقرة : 30 ] الآية وأتى بإن المفيدة للشك في صدقهم مع القطع بعدم الصدق لاستدراجهم حتى يعلموا أنهم غير صادقين حين يعجزون عن البرهان لأن كل اعتقاد لا يقيم معتقده دليل اعتقاده فهو اعتقاد كاذب لأنه لو كان له دليل لاستطاع التعبير عنه ومن باب أولى لا يكون صادقاً عند من يريد أن يروج عليه اعتقاده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.