المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَقَالُواْ لَن يَدۡخُلَ ٱلۡجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ تِلۡكَ أَمَانِيُّهُمۡۗ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (111)

{ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ( 111 )

وقوله تعالى : { وقالوا لن يدخل الجنة } معناه قال اليهود : لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً ، وقال النصارى : لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى ، فجمع قولهم ، ودل تفريق نوعيهم على تفرق قوليهم ، وهذا هو الإيجاز واللف( {[1129]} ) ، وهود جمع هائد ، مثل عائد وعود ، ومعناه التائب الراجع ، ومثله في الجمع بازل وبزل وحائل وحول وبائر وبور ، وقيل هو مصدر يوصف به الواحد والجمع كفطر وعدل ورضا ، وقال الفراء ، أصله يهودي حذفت ياءاه على غير قياس .

وقرأ أبي بن كعب «إلا من كان يهودياً » ، وكذبهم الله تعالى وجعل قولهم أمنية ، وقد قطعوا( {[1130]} ) قبل بقوله { فتمنوا الموت } [ البقرة : 94 ، الجمعة : 6 ] ، وأمر محمد صلى الله عليه وسلم بدعائهم إلى إظهار البرهان( {[1131]} ) ، وقيل : إن الهاء في { هاتوا } أصلية من هاتا يهاتي ، وأميت تصريف هذه اللفظة كله إلا الأمر منه وقيل : هي عوض من همزة آتى ، وقيل : ها تنبيه ، وألزمت همزة آتى الحذف ، والبرهان الدليل الذي يوقع اليقين( {[1132]} ) ، قال الطبري : طلب الدليل هنا يقضي بإثبات النظر ويرد على من ينفيه( {[1133]} ) ،


[1129]:- معنى كلام المؤلف أن الضمير في قوله تعالى: (قالوا) يعود على أهل الكتاب، ويشمل اليهود والنصارى، (وهذا لف)، ثم جاء قوله سبحانه: (إلا من كان هودا أو نصارى) بتوضيح فيه (نشر) لما سبق من (لف)، وبهذا يتضح لك قول ابن عطية: (وهذا هو الإيجاز واللف).
[1130]:- أي: عجزوا لما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم تنفيذا لأمر الله في قوله: (قل إن كانت لكم الدارالآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) –وقد سبقت الآية وفي رقم (94) من سورة البقرة.
[1131]:- بقوله تعالى: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين).
[1132]:- أي يثبته في النفس.
[1133]:- وهو دليل على بطلان القول بالتقليد.