تلك : من أسماء الإشارة ، يطلق على المؤنثة في حالة البعد ، ويقال : تلك وتيلك وتالك ، بفتح التاء وسكون اللام ، وبكسرها وياء بعدها ، وكسر اللام وبفتحها ، وألف بعدها وكسر اللام ، قال :
إلى الجودي حتى صار حجراً *** وحان لتالك الغمر انحسارا
هاتوا : معناه أحضروا ، والهاء أصلية لا بدل من همزة أتى ، لتعديها إلى واحد لا يحفظ هاتي الجواب ، وللزوم الألف ، إذ لو كانت همزة لظهرت ، إذ زال موجب إبدالها ، وهو الهمزة قبلها ، فليس وزنها أفعل ، خلافاً لمن زعم ذلك ، بل وزنها فاعل كرام .
وهي فعل ، خلافاً لمن زعم أنها اسم فعل ، والدليل على فعليتها اتصال الضمائر بها .
ولمن زعم أنها صوت بمنزلة هاء في معنى أحضر ، وهو الزمخشري ، وهو أمر وفعله متصرف .
تقول : هاتي يهاتي مهاتاة ، وليس من الأفعال التي أميت تصريف لفظه إلا الأمر منه ، خلافاً لمن زعم ذلك .
وليست ها للتنبيه دخلت على أتى فألزمت همزة أتى الحذف ، لأن الأصل أن لا حذف ، ولأن معنى هات ومعنى ائت مختلفان .
فمعنى هات أحضر ، ومعنى ائت أحضر .
وتقول : هات هاتي هاتيا هاتوا هاتين ، تصرفها كرامي .
البرهان : الدليل على صحة الدعوى ، قيل : هو مأخوذ من البره ، وهو القطع ، فتكون النون زائدة .
وقيل : من البرهنة ، وهي البيان ، قالوا : برهن إذا بين ، فتكون النون زائدة لفقدان فعلن ووجود فعلل ، فينبني على هذا الاشتقاق .
التسمية ببرهان ، هل ينصرف أو لا ينصرف ؟
{ وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أن نصارى } : سبب نزولها اختصام نصارى نجران ويهود المدينة ، وتناظرهم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم .
فقالت اليهود : { ليست النصارى على شيء } ، وقالت النصارى : { ليست اليهود على شيء } ، وكفروا بالتوراة وموسى ، قاله ابن عباس .
والضمير في وقالوا عائد على أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ولهم في القول ، لن يدخل الجنة ، لأن القول صدر من الجميع ، باعتبار أن كل فريق منهما قال ذلك ، لا أن كل فرد فرد قال ذلك حاكماً على أن حصر دخول الجنة على كل فرد فرد من اليهود والنصارى ، ولذلك جاء في العطف بأو التي هي للتفصيل والتنويع ، وأوضح ذلك العلم بمعاداة الفريقين ، وتضليل بعضهم بعضاً ، فامتنع أن يحكم كل فريق على الآخر بدخول الجنة ، ونظيره في لف الضمير ، وفي كون أو للتفصيل قوله : { وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا } ، إذ معلوم أن اليهودي لا يأمر بالنصرانية ، ولا النصراني يأمر باليهودية ، ولما كان دخول الجنة متأخراً ، جاء النفي بلن المخلصة للاستقبال ، ومن فاعلة بيدخل ، وهو من الاستثناء المفرّغ ، والمعنى : لن يدخل الجنة أحد إلا من .
ويجوز أن تكون على مذهب الفراء بدلاً ، أو يكون منصوباً على الاستثناء ، إذ يجيز أن يراعى ذلك المحذوف ، ويجعله هو الفاعل ، ويحذفه ، وهو لو كان ملفوظاً به لجاز البدل والنصب على الاستثناء ، فكذلك إذا كان محذوفاً وحمل أولاً على لفظ من ، فأفرد الضمير في كان ، ثم حمل على المعنى ، فجمع في خبر كان فقال : { هوداً أو نصارى } .
وهود : جمع هائد ، كعائد وعود .
وتقدم مفرد النصارى ما هو أنصران أم نصرى .
وفي جواز مثل هذين الحملين خلاف ، أعني أن يكون الخبر غير فعل ، بل صفة يفصل بين مذكرها ومؤنثها بالتاء نحو : من كان قائمين الزيدون ، ومن كان قائمين الزيدان .
فمذهب الكوفيين وكثير من البصريين جواز ذلك .
وذهب قوم إلى المنع ، وإليه ذهب أبو العباس ، وهم محجوجون بثبوت ذلك في كلام العرب كهذه الآية ، فإن هوداً في الأظهر جمع هائد ، وهو من الصفات التي يفصل بينها وبن مؤنثها بالتاء ، وكقول الشاعر :
فنيام : جمع نائم ، وهو من الصفات التي يفصل بين مذكرها ومؤمثها بالتاء ، وقدم هوداً على نصارى لتقدمها في الزمان .
وقرأ أبي : إلا من كان يهودياً أو نصرانياً ، فحمل الاسم والخبر معاً على اللفظ ، وهو الإفراد والتذكير .
{ تلك أمانيهم } : جملة من مبتدأ وخبر معترضة بين قولهم ذلك وطلب الدليل على صحة دعواهم .
وتلك يشار بها إلى الواحدة المفردة ، وإلى الجمع غير المسلم من المذكر والمؤنث ، فحمله الزمخشري على الجمع قال : أشير بها إلى الأماني المذكورة ، وهي أمنيتهم أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم ، وأمنيتهم أن يردّوهم كفاراً ، وأمنيتهم أن لا يدخل الجنة غيرهم ، أي تلك الأماني الباطلة أمانيهم .
وما ذهب إليه في الوجه الأول ليس بظاهر ، لأن كل جملة ذكر فيها ودهم لشيء ، فقد انفصلت وكملت واستقلت في النزول ، فيبعد أن يشار إليها .
وأما ما ذهب إليه في الوجه الثاني ففيه مجاز الحذف ، وفيه قلب الوضع ، إذ الأصل أن يكون تلك مبتدأ ، وأمانيهم خبر .
فقلب هو الوضع ، إذ قال : أن أمانيهم في البطلان مثل أمنيتهم هذه .
وفيه أنه متى كان الخبر مشبهاً به المبتدأ ، فلا يجوز تقديمه ، مثل : زيد زهير ، نص على ذلك النحويون .
فإن تقدم ما هو أصل في أن يشبه به ، كان من عكس التشبيه ومن باب المبالغة ، إذ جعل الفرع أصلاً والأصل فرعاً كقولك : الأسد زيد شجاعة ، والأظهر أن تلك إشارة إلى مقالتهم : { لن يدخل الجنة } ، أي تلك المقالة أمانيهم ، أي ليس ذلك عن تحقيق ولا دليل على من كتاب الله ولا من أخبار من رسول ، وإنما ذلك على سبيل التمني .
وإن كانوا هم حازمين بمقالتهم ، لكنها لما لم تكن عن برهان ، كانت أماني ، والتمني يقع بالجائز والممتنع .
فهذا من الممتنع ، ولذلك أتى بلفظ الأماني ، ولم يأت بلفظ مرجوّاتهم ، لأن الرجاء يتعلق بالجائز ، تقول : ليتني طائر ، ولا يجوز ، لعلني طائر ، وإنما أفرد المبتدأ لفظاً ، لأنه كناية عن المقالة ، والمقالة مصدر يصلح للقليل والكثير ، فأريد بها هنا الكثير باعتبار القائلين ، ولذلك جمع الخير ، فطابق من حيث المعنى في الجمعية .
وقد تقدّم شرح الأماني في قوله : { لا يعلمون الكتاب إلا أماني } فيحتمل أن يكون المعنى : تلك أكاذيبهم وأباطيلهم ، أو تلك مختاراتهم وشهواتهم ، أو تلك تلاواتهم .
{ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } : لما تقدم منهم الدعوى بأنه لن يدخل الجنة إلا من ذكروا ، طولبوا بالدليل على صحة دعواهم .
وفي هذا دليل على أن من ادعى نفياً أو إثباتاً ، فلا بد له من الدليل .
وتدل الآية على بطلان التقليد ، وهو قبول الشيء بغير دليل .
قال الزمخشري : وهذا أهدم شيء لمذهب المقلدين ، وإن كل قول لا دليل عليه ، فهو باطل .
إن كنتم صادقين فهاتوا برهانكم ، أي أوضحوا دعوتكم .
وظاهر الآية أن متعلق الصدق هو دعواهم أنهم مختصون بدخول الجنة .
وقيل معنى صادقين : صالحين كما زعمتم ، وكل ما أضيف إلى الصلاح والخير أضيف إلى الصدق .
تقول : رجل صدق ، وصديق صدق ، ودالة صدق ، ومنه : { هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم } وقيل : معناه إن كنتم موقنين بما أخذ الله ميثاقه وعهوده ، ومنه : { رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.