قال الله : { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن } وذلك أن الرجل من العرب في الجاهلية كان إذا سافر فأمسى في أرض قفر ، قال : أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه ، فيبيت في أمن وجوار منهم حتى يصبح .
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا ابن فنجويه ، حدثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك ، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي ، حدثنا موسى بن سعيد بن النعمان بطرسوس ، حدثنا فروة بن أبي المعز الكندي ، حدثنا القاسم بن مالك ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن أبيه ، عن كردم بن أبي سائب الأنصاري قال : خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فآوانا البيت إلى راعي غنم ، فلما انتصف النهار جاء ذئب فأخذ حملاً من الغنم ، فوثب الراعي فقال : يا عامر الوادي جارك ، فنادى مناد لا نراه ، يقول : يا سرحان أرسله ، فأتى الحمل يشتد حتى دخل الغنم ولم تصبه كدمته ، فأنزل الله عز وجل على رسول صلى الله عليه وسلم بمكة { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم } يعني زاد الإنس الجن باستعاذتهم بقادتهم { رهقا } قال ابن عباس : إثماً . قال مجاهد : طغياناً . قال مقاتل : غياً . قال الحسن : شراً قال إبراهيم : عظمة . وذلك أنهم كانوا يزدادون بهذا التعوذ طغياناً ، يقولون : سدنا الجن والإنس ، والرهق في كلام العرب : الإثم وغشيان المحارم .
وقوله : { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا } أي : كنا نرى أن لنا فضلا على الإنس ؛ لأنهم كانوا يعوذون بنا ، إي : إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري وغيرها كما كان عادة العرب في جاهليتها . يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان ، أن يصيبهم بشيء يسوؤهم كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته ، فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون{[29368]} بهم من خوفهم منهم ، { فَزَادُوهُمْ رَهَقًا } أي : خوفا وإرهابا وذعرا ، حتى تبقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذا بهم ، كما قال قتادة : { فَزَادُوهُمْ رَهَقًا } أي : إثما ، وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة .
وقال الثوري ، عن منصور عن إبراهيم : { فَزَادُوهُمْ رَهَقًا } أي : ازدادت الجن عليهم جرأة .
وقال السدي : كان الرجل يخرج بأهله فيأتي الأرض فينزلها فيقول : أعوذ بسيد هذا الوادي من الجن أن أضَرّ أنا فيه أو مالي أو ولدي أو ماشيتي ، قال : فإذا عاذ بهم من دون الله ، رَهقَتهم الجن الأذى عند ذلك .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي ، حدثنا الزبير بن الخرِّيت ، عن عكرمة قال : كان الجن يَفْرَقُون من الإنس كما يفرَق الإنس منهم أو أشد ، وكان الإنس إذا نزلوا واديا هرب الجن ، فيقول سيد القوم : نعوذ بسيد أهل هذا الوادي .
فقال الجن : نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم . فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون ، فذلك قول الله : { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا }
وقال أبو العالية ، والربيع ، وزيد بن أسلم : { رَهَقًا } أي : خوفا . وقال العوفي ، عن ابن عباس : { فَزَادُوهُمْ رَهَقًا } أي : إثما . وكذا قال قتادة . وقال مجاهد : زاد الكفار طغيانا .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا فروة بن المغراء الكندي ، حدثنا القاسم بن مالك - يعني المزني - عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن أبيه ، عن كَردم بن أبي السائب الأنصاري قال : خرجت مع أبي من المدينة في حاجة ، وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فآوانا المبيت إلى راعي غنم . فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم ، فوثب الراعي فقال : يا عامر الوادي ، جارك . فنادى مناد لا نراه ، يقول : يا سرحان ، أرسله . فأتى الحملَ يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة . وأنزل الله تعالى على رسوله بمكة { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا }
ثم قال : ورُوي عن عبيد بن عمير ، ومجاهد ، وأبي العالية ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النَّخَعي ، نحوه .
وقد يكون هذا الذئب الذي أخذ الحمل - وهو ولد الشاة - وكان جنّيا حتى يُرهب الإنسي ويخاف منه ، ثم رَدَّه عليه لما استجار به ، ليضله ويهينه ، ويخرجه عن دينه ، والله أعلم .
هذه الألف من { أنه } كان مما اختلف في فتحها وكسرها والكسر أوجه . والمعنى في الآية ما كانت العرب تفعله في أسفارها وتعزبها في الرعي وغيره ، فإن جمهور المفسرين رووا أن الرجل كان إذا أراد المبيت أو الحلول في واد ، صاح بأعلى صوته يا عزيز هذا الوادي ، إني أعوذ بك من السفهاء الذين في طاعتك فيعتقد بذلك أن الجني الذي بالوادي يمنعه ويحميه ، فروي أن الجن كانت عند ذلك تقول : ما نملك لكم ولأنفسنا من الله شيئاً . قال مقاتل : أول من تعوذ بالجن قوم من أهل اليمن ثم بنو حنيفة ثم فشا ذلك في العرب . وروي عن قتادة أن الجن لذلك كانت تحتقر بني آدم وتزدريهم لما ترى من جهلهم ، فكانوا يزيدونهم مخافة ويتعرضون للتخيل لهم بمنتهى طاقاتهم ويغوونهم في إرادتهم لما رأوا رقة أحلامهم ، فهذا هو الرهق الذي زادته الجن ببني آدم . وقال مجاهد والنخعي وعبيد بن عمير : بنو آدم زادوا الجن { رهقاً } وهي الجرأة والانتخاء عليهم والطغيان وغشيان المحارم والإعجاب ، لأنهم قالوا سدنا الجن والإنس ، وقد فسر قوم الرهق بالإثم وأنشد الطبري في ذلك بيت الأعشى : [ البسيط ]
لا شيء ينفعني من دون رؤيتها*** لا يشتفي وامق ما لم يصب رهقا{[11365]}
قال معناه ما لم يغش محرماً فالمعنى زادت الإنس والجن مأثماً لأنهم عظموهم فزادوهم استحلالاً لمحارم الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.