معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهۡلِهِۦٓ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا سَـَٔاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ ءَاتِيكُم بِشِهَابٖ قَبَسٖ لَّعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} (7)

قوله عز وجل :{ إذ قال موسى لأهله } أي : واذكر يا محمد ، إذ قال موسى لأهله في مسيره من مدين إلى مصر : { إني آنست ناراً } أي : أبصرت ناراً ، { سآتيكم منها بخبر } أي : امكثوا مكانكم ، سآتيكم بخبر عن الطريق أو النار وكان قد ترك الطريق ، { أو آتيكم بشهاب قبس } قرأ أهل الكوفة : بشهاب بالتنوين ، جعلوا القبس نعتاً للشهاب ، وقرأ الآخرون بلا تنوين على الإضافة ، وهو إضافة الشيء إلى نفسه ، لأن الشهاب والقبس متقاربان في المعنى ، وهو العود الذي في أحد طرفيه نار ، وليس في الطرف الآخر نار . وقال بعضهم : الشهاب هو شيء ذو نور ، مثل العمود ، والعرب تسمي كل أبيض ذي نور شهاباً ، والقبس : القطعة من النار ، { لعلكم تصطلون } تستدفئون من البرد ، وكان ذلك في شدة الشتاء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهۡلِهِۦٓ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا سَـَٔاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ ءَاتِيكُم بِشِهَابٖ قَبَسٖ لَّعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} (7)

يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم{[21960]} مذكرًا له ما كان من أمر موسى ، كيف اصطفاه الله وكلمه ، وناجاه وأعطاه من الآيات العظيمة الباهرة ، والأدلة القاهرة ، وابتعثه إلى فرعون وملئه ، فجحدوا بها وكفروا واستكبروا عن اتباعه والانقياد له ، فقال تعالى : { إِذْ قَالَ مُوسَى لأهْلِهِ } أي : اذكر حين سار موسى بأهله ، فأضل الطريق ، وذلك في ليل وظلام ، فآنس من جانب الطور نارًا ، أي : رأى نارًا تأجج{[21961]} وتضطرم ، فقال { لأهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ } أي : عن الطريق ، { أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } أي : تتدفؤون به . وكان كما قال ، فإنه رجع منها بخبر عظيم ، واقتبس منها نورًا عظيمًا ؛ ولهذا قال تعالى : { فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا }


[21960]:- في ف ، أ : "صلوات الله وسلامه عليه".
[21961]:- في ف ، أ : "تتأجج".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهۡلِهِۦٓ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا سَـَٔاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ ءَاتِيكُم بِشِهَابٖ قَبَسٖ لَّعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} (7)

ثم شرع في بيان بعض تلك العلوم بقوله : { إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا } أي اذكر قصته { إذ قال } ويجوز أن يتعلق ب { عليم } . { سآتيكم منها بخبر } أي عن حال الطريق لأنه قد ضله ، وجمع الضمير إن صح أنه لم يكن معه غير امرأته لما كنى عنها بالأهل ، والسين للدلالة على بعد المسافة والوعد بالإتيان وإن أبطأ . { أو آتيكم بشهاب قبس } شعلة نار مقبوسة ، نار وإضافة الشهاب إليه لأنه قد يكون قبسا وغير قبس ، ونونه الكوفيون ويعقوب على أن ال { قبس } بدل منه أو وصف له لأنه بمعنى المقبوس ، و العدتان على سبيل الظن ولذلك عبر عنهما بصيغة الترجي في " طه " ، والترديد للدلالة على أنه إن لم يظفر بهما لم يعدم أحدهما بناء على ظاهر الأمر أو ثقة بعادة الله تعالى أنه لا يكاد يجمع حرمانين على عبده . { لعلكم تصطلون } رجاء أن تستدفئوا بها والصلاء النار العظيمة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهۡلِهِۦٓ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا سَـَٔاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ ءَاتِيكُم بِشِهَابٖ قَبَسٖ لَّعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} (7)

قال الزجاج والزمخشري وغيرهما : انتصب { إذْ } بفعل مضمر تقديره : اذكر ، أي أن { إذْ } مجردٌ عن الظرفية مستعمل بمعنى مطلق الوقت ، ونصْبُه على المفعول به ، أي اذكر قصة زمن قال موسى لأهله ، يعني أنه جار على طريقة { وإذْ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة } [ البقرة : 30 ] .

فالجملة استئناف ابتدائي . ومناسبة موقعها إفادة تنظير تلقي النبي صلى الله عليه وسلم القرآن بتلقّي موسى عليه السلام كلامَ الله إذ نودي { يا موسى إنّه أنا الله العزيز الحكيم } [ النمل : 9 ] .

وذلك من بديع التخلص إلى ذكر قصص هؤلاء الأنبياء عقب التنويه بالقرآن ، وأنه من لدن حكيم عليم . والمعنى : أن الله يقصّ عليك من أنباء الرسل ما فيه مَثَل لك ولقومك وما يثبت به فؤادك .

وفي ذلك انتقال لنوع آخر من الإعجاز وهو الإخبار عن المغيبات وهو ما عددناه في الجهة الرابعة من جهات إعجاز القرآن في المقدمة العاشرة من المقدمات .

وجملة : { قال موسى لأهله } إلى آخرها تمهيد لجملة { فلما جاءها نُودي أن بُورك مَن في النّار } [ النمل : 8 ] إلخ . وزمانُ قول موسى لأهله هذه المقالة هو وقت اجتلابه للمبادرة بالوحي إليه . فهذه القصة مثَل ضربه الله لِحال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه ، ابتدئت بما تقدم رسالة موسى من الأحوال إدماجاً للقصة في الموعظة .

والأهل : مراد به زوجه ، ولم يكن معه إلا زوجه وابنان صغيران . والمخاطب بالقول زوجه ، ويكنى عن الزوجة بالأهل . وفي الحديث : « والله ما علمتُ على أهلي إلا خَيراً »

ولم تظهر النار إلا لموسى دون غيره من أهله لأنها لم تكن ناراً معتادة ، لكنها من أنوار عالم الملكوت جلاّه الله لموسى فلا يراه غيره . ويؤيد هذا تأكيده الخبر ب ( إن ) المشير إلى أن زوجهُ ترددت في ظهور نار لأنها لم ترها .

والإيناس : الإحساس والشعور بأمر خفي ، فيكون في المرئيات وفي الأصوات كما قال الحارث بن حلزة :

آنَستْ نَبْأَةً وأفزعها القُنَّ *** اصُ عَصْرَاً وقد دنا الإِمساء

والمراد بالخبر خبر المكان الذي تلوح منه النار . ولعله ظن أن هنالك بيتاً يرجو استضافتهم إياه وأهله تلك الليلة ، وإن لم يكن أهل النار أهل بيت يستضيفون بأن كانوا رجالاً مقوين يأتتِ منهم بجمرة نار ليوقد أهله ناراً من حطب الطريق للتدفُّؤ بها .

والشهاب : الجمر المشتعل . والقبس : جمرة أو شعلة نار تُقبس ، أي يُؤخذ اشتعالها من نار أخرى ليُشعل بها حطب أو ذُبالة نار أو غيرهما .

وقرأ الجمهور بإضافة { شهاب } إلى { قبس } إضافة العام إلى الخاص مثل : خَاتم حديد . وقرأه عاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف بتنوين { شهاب } ، فيكون { قبس } بدلاً من { شهاب } أو نعتاً له . وتقدم في أول سورة طه .

والاصطلاء : افتعال من الصلي وهو الشيُّ بالنار . ودلت صيغة الافتعال أنه محاولة الصلي فصار بمعنى التدفُّؤ بوهج النار .