السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهۡلِهِۦٓ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا سَـَٔاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ ءَاتِيكُم بِشِهَابٖ قَبَسٖ لَّعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} (7)

ثم شرع في بيان تلك العلوم بقوله تعالى : { إذ قال موسى } أي : اذكر قصته حين قال { لأهله } أي : زوجته بنت شعيب عليه السلام عند مسيره من مدين إلى مصر وهي القصة الأولى من قصص هذه السورة ، قال الزمخشريّ : روي أنه لم يكن مع موسى عليه السلام غير امرأته ، وقد كنى الله تعالى عنها بالأهل فتبع ذلك ورود الخطاب على لفظ الجمع وهو قوله : امكثوا ، وكانا يسيران ليلاً وقد اشتبه الطريق عليهما والوقت وقت برد ، وفي مثل هذا الحال يقوى الناس بمشاهدة نار من بعد ، لما يرجى فيها من زوال الحيرة وأمن الطريق ومن الانتفاع بالنار للإصطلاء ، فلذلك بشرها فقال : { إني آنست } أي : أبصرت إبصار حصل لي به الأنس وأزال عني الوحشة { ناراً سآتيكم منها بخبر } أي : عن حال الطريق وكان قد أضلها ، وعبر بلفظ الجمع كما في قوله : { امكثوا } فإن قيل : كيف جاء بسين التسويف ؟ أجيب : بأنّ ذلك عدة لأهله أنه يأتيهم به وإن أبطأ الإتيان أو كانت المسافة بعيدة ، فإن قيل : قال هنا { سآتيكم منها بخبر } وفي السورة الآتية : { لعلي آتيكم منها بخبر } ( القصص : 29 ) وهما كالمتدافعين لأنّ أحدهما ترج والآخر تيقن ؟ أجيب : بأنّ الراجي قد يقول إذا قوي رجاؤه سأفعل كذا وسيكون كذا مع تجويزه الحقيقة .

{ أو آتيكم بشهاب قبس } أي : شعلة نار في رأس فتيلة أو عود ، قال البغويّ : وليس في الطرف الآخر نار ، وقال بعضهم الشهاب شيء ذو نور مثل العمود والعرب تسمى كل شيء أبيض ذي نور شهاباً ، والقبس : القطعة من النار ، وقرأ الكوفيون بشهابٍ بالتنوين على أنّ القبس بدل منه أو وصف له لأنه بمعنى المقبوس ، والباقون بإضافة الشهاب إليه لأنه يكون قبساً وغير قبس فهو من إضافة النوع إلى جنسه ، نحو ثوب خز إذ الشهاب شعلة من النار والقبس قطعة منها يكون في عود أو غيره كما مرّ .

فإن قيل : لم جاء بأو دون الواو ؟ أجيب : بأنه بنى الرجاء على أنه إن لم يظفر بحاجتيه جميعاً لم يعدم واحدة منهما ، إمّا هداية الطريق وإمّا اقتباس النار ثقة بعادة الله أنه لا يكاد يجمع بين حرمانين على عبده ، وما أدراه حين قال ذلك أنه ظافر على النار بحاجتيه الكليتين جميعاً وهما العزان عز الدنيا وعز الآخرة ، ثم إنه عليه السلام علل إتيانه بذلك إفهاماً لأنها ليلة باردة بقوله : { لعلكم تصطلون } أي : لتكونوا في حال من يرجى أن يستدفئ بذلك من البرد ، والطاء بدل من تاء الافتعال ، من صلى بالنار بكسر اللام وفتحها .