اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهۡلِهِۦٓ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا سَـَٔاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ ءَاتِيكُم بِشِهَابٖ قَبَسٖ لَّعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} (7)

قوله تعالى : { إِذْ قَالَ موسى لأَهْلِهِ . . . } الآيات ، يجوز أن يكون «إذْ » منصوباً بإضمار اذكر{[38237]} ، أو ( يعلم ) مقدر مدلولا عليه ب «عليم »{[38238]} ، ( أو ب «عليم »{[38239]} ){[38240]} وفيه ضعف لتقيد الصفة بهذا الظرف{[38241]} .

فصل{[38242]} :

{ إِذْ قَالَ موسى لأَهْلِهِ } في مسيره من مدين إلى مصر{[38243]} ، قيل : إنه لم يكن مع موسى - عليه السلام {[38244]}- غير امرأته ابنة شعيب - عليه السلام{[38245]} - ، وقد كنى الله عنها بالأهل ، فتبع{[38246]} ذلك ورود الخطاب بلفظ الجمع{[38247]} ، وهو قوله : { امكثوا إني آنَسْتُ }{[38248]} : أبصرت ناراً ، وذلك أنهما كانا يسيران ليلاً وقد اشتبه الطريق عليهما ، والوقت وقت برد ، وفي{[38249]} مثل هذا الحال تقوى النفس بمشاهدة نار لما يرجى فيها من زوال الحيرة في أمر الطريق ، ومن الانتفاع بالنار للاصطلاء ، فلذلك{[38250]} بشرها فقال : { إني آنَسْتُ{[38251]} نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ }{[38252]} والخبر : ما يخبر به{[38253]} عن حال الطريق ؛ لأنه كان قد ضله{[38254]} . ثم{[38255]} في الكلام حذف ، وهو أنه لما أبصر النار توجه إليها ، وقال : سآتيكم منها بخبر يعرف به الطريق{[38256]} .

قوله : { أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ } قرأ الكوفيون{[38257]} بتنوين «شِهَاب »{[38258]} ، على أن «قَبَس » بدل من «شِهَابٍ »{[38259]} أو صفة له{[38260]} ، لأنه{[38261]} بمعنى مقبوس ، كالقبض{[38262]} والنفض{[38263]} ، والباقون بالإضافة{[38264]} على البيان{[38265]} ، لأنَّ الشِّهاب يكون قبساً وغيره .

والشِّهَابُ : الشُّعلة ، والقَبَسُ : القطعة منها يكون في عودٍ{[38266]} وغير عود . و «أو » : على بابها من التنويع ، والطاء في «تَصْطَلُونَ » : يدل من تاء الافتعال ، لأنه من صَلِيَ بالنار{[38267]} .

فإن قيل : قال هاهنا : { سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ }{[38268]} ، وفي موضع آخر ، { لعلي آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ } [ القصص : 29 ] وهما كالمتدافعين ، لأن أحدهما تَرَجٍّ والآخر تيقن{[38269]} .

فالجواب{[38270]} : قد يقول الراجي إذا قوي رجاؤه : سأفعل كذا ، و{[38271]} سيكون كذا ، مع تجويزه الخيبة{[38272]} . فإن قيل : كيف جاء بسين التسويف ؟ .

فالجواب : عدة لأهله أنه{[38273]} يأتيهم به ، وإن أبطأ ، أو كانت المسافة بعيدة{[38274]} ، وأدخل «أو » بين الأمرين المقصودين ، يعني الرجاء على أنه إن لم يظفر بهذين المقصودين ، ظفر بأحدهما ، إما هداية الطريق ، وإما اقتباس النار ، ثقة منه بعادة الله تعالى لأنه لا يكاد يجمع بين حرمانين على عبده{[38275]} . «لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ » تستدفئون من البرد .


[38237]:ما بين القوسين في ب: تعالى.
[38238]:انظر الكشاف 3/133، التبيان 2/1003.
[38239]:بعليم: سقط من ب.
[38240]:انظر الكشاف 3/133.
[38241]:ما بين القوسين سقط من الأصل.
[38242]:انظر البحر المحيط 7/54.
[38243]:في ب: قوله.
[38244]:انظر البغوي 6/259-260.
[38245]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[38246]:في النسختين: فيمنع. والتصويب من الكشاف والفخر الرازي.
[38247]:في ب: ورود الخطاب بالجمع.
[38248]:انظر الكشاف 3/133-134، الفخر الرازي 24/181.
[38249]:في ب: وقت برموني.
[38250]:في ب: فكذلك.
[38251]:في ب: إني آنست.
[38252]:انظر الفخر الرازي 24/181.
[38253]:به: سقط من ب.
[38254]:انظر الكشاف 3/134، الفخر الرازي 24/181.
[38255]:في ب: و.
[38256]:انظر الفخر الرازي 24/181.
[38257]:هو عاصم وحمزة الكسائي.
[38258]:السبعة (478)، الكشف 2/154، النشر 2/337، الإتحاف(335).
[38259]:انظر معاني القرآن للأخفش 2/647، الكشاف 3/134، البيان 2/218.
[38260]:انظر الكشاف 3/134، التبيان 2/1004.
[38261]:في ب: ولأنه.
[38262]:القبض- بالتحريك- بمعنى المقبوض، وهو ما جمع من الغنيمة قبل أن تقسم. اللسان (قبض).
[38263]:النفض- بالتحريك- ما تساقط من الورق والثمر، وهو فعل بمعنى مفعول كالقبض بمعنى المقبوض. اللسان (نفض).
[38264]:السبعة (478)، الكشف 2/1545، النشر 2/337، الإتحاف (335).
[38265]:أي: من إضافة النوع إلى جنسه، بمنزلة قولك: ثوب خز. مشكل إعراب القرآن 2/144، البيان 2/280.
[38266]:انظر مجاز القرآن 2/92، اللسان (قبس).
[38267]:وهو إبدال مطرد، لأن تاء (افتعل) تبدل طاء إذا كانت الفاء صاداً، أو ضاداً، أو طاء، أو ظاء، فأصل "تصطلون" تصتليون" أبدل من التاء طاء لتوافق الطاء في الإطباق، ونقلت الضمة من الياء إلى اللام فبقيت الياء ساكنة وواو الجمع ساكنة فحذفت الياء لالتقاء الساكنين. البيان 2/218، الممتع 1/360. وفي اللسان (صلا): وصلى بالنار وصليها صلياً وصليّا وصلى وصلاء، واصطلى بها وتصلاها قاسى حرها.
[38268]:في ب: بقبس. وهو تحريف.
[38269]:في ب: متيقن.
[38270]:في ب: والجواب.
[38271]:و: سقط من ب.
[38272]:انظر الكشاف 3/134، الفخر الرازي 24/181.
[38273]:في ب: أنهم. وهو تحريف.
[38274]:انظر الكشاف 3/134، الفخر الرازي 24/181.
[38275]:المرجعان السابقان.