معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِ لَيۡسَ لَهُۥ دَعۡوَةٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَلَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ هُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ} (43)

قوله تعالى : { لا جرم } حقاً ، { أن ما تدعونني إليه } أي : إلى الوثن ، { ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة } قال السدي : لا يستجيب لأحد في الدنيا ، ولا في الآخرة ، يعني ليست له استجابة دعوة . وقيل : ليست له دعوة إلى عبادته في الدنيا لأن الأوثان لا تدعي الربوبية ، ولا تدعو إلى عبادتها ، وفي الآخرة تتبرأ من عابديها . { وأن مردنا إلى الله } مرجعنا إلى الله فيجازي كلاً بما يستحقه ، { وأن المسرفين } المشركين { هم أصحاب النار * }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِ لَيۡسَ لَهُۥ دَعۡوَةٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَلَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ هُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ} (43)

{ لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } يقول : حقا .

قال السدي وابن جرير : معنى قوله : { لا جَرَمَ } حقا .

وقال الضحاك : { لا جَرَمَ } لا كذب .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { لا جَرَمَ } يقول : بلى ، إن الذي تدعونني إليه من الأصنام والأنداد { لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ }

قال مجاهد : الوثن ليس بشيء .

وقال قتادة : يعني الوثن لا ينفع ولا يضر .

وقال السدي : لا يجيب داعيه ، لا في الدنيا ولا في الآخرة .

وهذا كقوله تعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ . وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [ الأحقاف : 5 ، 6 ] ، { إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ } [ فاطر : 14 ] .

وقوله : { وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ } أي : في الدار الآخرة ، فيجازي كلا بعمله ؛ ولهذا قال : { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ } أي : خالدين فيها بإسرافهم ، وهو شركهم بالله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِ لَيۡسَ لَهُۥ دَعۡوَةٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَلَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ هُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ} (43)

{ لا جرم } لا رد لما دعوه إليه ، و{ جرم } فعل بمعنى حق وفاعله : { أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة } أي حق عدم دعوة آلهتكم إلى عبادتها أصلا لأنها جمادات ليس لها ما يقتضي ألوهيتها أو عدم دعوة مستجابة أو عدم استجابة دعوة لها . وقيل { جرم } بمعنى كسب وفاعله مستكن فيه أي كسب ذلك الدعاء إليه أن لا دعوة له بمعنى ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوته ، وقيل فعل من الجرم بمعنى القطع كما إن بدا من لا بد فعل من التبديد وهو التفريق ، والمعنى لا قطع لبطلان دعوة ألوهية الأصنام أي لا ينقطع في وقت ما فتنقلب حقا ، ويؤيده قولهم لا جرم إنه لغة فيه كالرشد والرشد . { وأن مردنا إلى الله } بالموت . { وأن المسرفين } في الضلالة والطغيان كالإشراك وسفك الدماء . { هم أصحاب النار } ملازموها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِ لَيۡسَ لَهُۥ دَعۡوَةٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَلَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ هُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ} (43)

و : { لا جرم } مذهب سيبويه والخليل أنها { لا } النافية دخلت على { جرم } ، ومعنى : { جرم } ثبت ووجب ، ومن ذلك جرم بمعنى كسب ، ومنه قول الشاعر [ أبو اسماء بن الضريبة ] : [ الكامل ]

ولقد طعنت أبا عيينة طعنة . . . جرمت فزارة بعدها من أن يغضبوا{[10005]}

أي أوجبت لهم ذلك وثبتته لهم ، فكأنه الكلام نفي للكلام المردود عليه ب { لا } ، وإثبات للمستأنف ب { جرم } و «أن » على هذا النظر في موضع رفع ب { جرم } ، وكذلك { أن } الثانية والثالثة ، ومذهب جماعة من أهل اللسان أن { لا جرم } بمعنى لا بد ولا محالة ف { أن } على هذا النظر في موضع نصب بإسقاط حرف الجر ، أي لا محالة بأن ما . و «ما » بمعنى الذي واقعة على الأصنام وما عبدوه من دون الله .

وقوله : { ليس له دعوة } أي قدر وحق يجب أن يدعى أحد إليه ، فكأنه تدعونني إلى ما لا غناء له وبين أيدينا خطب جليل من الرد إلى الله . وأهل الإسراف والشرك . هم أصحاب النار بالخلود فيها والملازمة ، أي فكيف أطيعكم مع هذه الأمور الحقائق ، في طاعتكم رفض العمل بحسبها والخوف . قال ابن مسعود ومجاهد : المسرفون : سفاكو الدماء بغير حلها{[10006]} . وقال قتادة : هم المشركون .


[10005]:البيت للفزاري، أبي أسماء بن الضريبة، وقيل هو لعطية بن عفيف. وهو في الكتاب لسيبويه، وفي الخزانة، واللسان (جرم)، والاشتقاق، والمقتضب. والبيت يقرأ بضم التاء في (طعنت) وهو غلط والصواب فتحها، لأن الشاعر خاطب بها كرزا العقيلي ورثاه، وكان كرز قد طعن أبا عيينة وهو حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري في يوم الحاجر، ويدل على ذلك قوله قبله: (يا كرز إنك قد فتكت بفارس)، وفي الحزانة قال سيبويه: (إن جرم في البيت فعل ماض بمعنى حق، وفزارة فاعل، وأن يغضبوا بدل اشتمال، أي حق غضب فزارة بعده)، وقال الفراء: (إن الرواية هي بنصب فزارة، أي كسبت الطعنة فزارة الغضب، أي جرمت لهم الغضب)، وليس في كلام سيبويه ما يؤدي هذا المعنى، بل إن كلامه يقتضي أن (جرم) فعل يرفع الفاعل، والفاعل في البيت ضمير الطعنة. والكلام في البيت طويل كثير، والخلاف بين النحويين فيه متعدد، والمهم أن (جرم) عند سيبويه فعل، وعند الفراء اسم. وسيبويه يرى أن (لا) زائدة قبل (جرم) إلا أنها لزمتها لأنها كالمثل، ويرى الخليل أن (لا جرم) إنما تكون جوابا لما قبلها من الكلام، تقول: الرجل كان كذا وكذا، فتقول: لا جرم أنهم سيندمون، أو أنه سيكون كذا وكذا.
[10006]:في القرطبي: (بغير حقها).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِ لَيۡسَ لَهُۥ دَعۡوَةٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَلَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ هُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ} (43)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم زهدهم في عبادة الآلهة، فقال: {لا جرم} يعني حقا.

{أنما تدعونني إليه} من عبادة الآلهة.

{ليس له دعوة} مستجابة إضمار تنفعكم: ليس بشيء.

{في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله} يعني مرجعنا بعد الموت إلى الله في الآخرة.

{وأن المسرفين} يعني المشركين {هم أصحاب النار} يومئذ.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول: حقا أن الذي تدعونني إليه من الأوثان، ليس له دعاء في الدنيا ولا في الآخرة، لأنه جماد لا ينطق، ولا يفهم شيئا...

وقوله:"وأنّ مَرَدّنا إلى اللّهِ" يقول: وأن مرجعنا ومنقلبنا بعد مماتنا إلى الله. "وأنّ المُسْرِفِينَ هُمْ أصحَابُ النّارِ "يقول: وإن المشركين بالله المتعدّين حدوده، القتلة النفوس التي حرّم الله قتلها، هم أصحاب نار جهنم عند مرجعنا إلى الله.

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

قيل {جرم} بمعنى كسب وفاعله مستكن فيه أي كسب ذلك الدعاء إليه أن لا دعوة له، بمعنى ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوته.

وقيل فعل من الجرم بمعنى القطع كما إن بدا من لا بد فعل من التبديد وهو التفريق، والمعنى لا قطع لبطلان دعوة ألوهية الأصنام أي لا ينقطع في وقت ما فتنقلب حقا، ويؤيده قولهم لا جرم إنه لغة فيه كالرشد والرشد.

{وأن مردنا إلى الله} بالموت.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان انتفاء العلم بالشيء من أهل العلم انتفاء ذلك الشيء في أصول الدين، كان ما دعوه إليه باطلاً، وكان ما دعاهم إليه هو الحق، فلذلك أنتج قطعاً قوله: {لا جرم} وهي وإن كانت بمعنى: لا ظن ولا اضطراب أصلاً -كما مضى في سورة هود عليه السلام فيها معنى العلة، أي فلأجل ذلك لا شك في {أنما} أي الذي.

{تدعونني إليه} من هذه الأنداد {ليس له دعوة} بوجه من الوجوه، فإنه لا إدراك له، هذا إن أريد ما لا يعقل، وإن أريد شيء مما يعقل فلا دعوة له مقبولة بوجه فإنه لا يقوم عليها دليل بل ولا شبهة موهمة.

{في الدنيا} التي هي محل الأسباب الظاهرة؛ لأن شيئا منه ليس له واحد من الوصفين.

{ولا في الآخرة} لأن ما لا تعلم إلهيته كذلك يكون.

{وإن} أي ولا اضطراب في أن {مردنا إلى الله} أي الذي له الإحاطة بصفات الكمال لما اقتضته عزته، فيجازي كل أحد بما يستحقه.

{وأنَّ} أي ولا شك في أن {المسرفين} أي المجاوزين للحدود العريقين في هذا الوصف {هم} أي خاصة لأجل حكم الله بذلك عليهم.

{أصحاب النار} أي الذين يخلدون فيها لا يفارقونها كما يقتضيه معنى الصحبة لأن إسرافهم اقتضى إسراف ملازمتهم للنار التي طبعها الإسراف، وقد علم أن ربها لا يجزي بالسيئة إلا مثلها...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} انتفاء أن يكون الدعاء إليه بالعبادة أو الالتجاء نافعاً لا نفي وقوع الدعوة؛ لأن وقوعها مشاهَد، فهذا من باب « لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وقولهم: ليس ذلك بشيء، أي بشيء نافع، وبهذا تعلم أن {دعوة مصدر متحمل معنَى ضمير فاعل، أي ليست دعوةُ داع، وأنّ ضمير له} عائد إلى (ما) الموصولة، أي لا يملك دعوة الداعين، أي لا يملك إجابتهم.

وعطفت على هذه الجملة جملة {وأنَّ مردَّنَا إلى الله} عطفَ اللازم على ملزومه؛ لأنه إذا تبين أن رب موسى المسمى (الله) هو الذي له الدعوة، تبين أن المرد أي المصير إلى الله في الدنيا بالالتجاء والاستنصار وفي الآخرة بالحكم والجزاء. ولو عطف مضمون هذه الجملة بالفاء المفيدة للتفريع لكانت حقيقة بها، ولكن عُدل عن ذلك إلى عطفها بالواو اهتماماً بشأنها لتكون مستقلة الدلالة بنفسها غيرَ باحثٍ سامعُها على ما ترتبط به، لأن الشيء المتفرع على شيء يعتبر تابعاً له كما قال الأصوليون في أنّ جوابَ السائل غيرَ المستقل بنفسِه تَابع لعُموم السُّؤال.

وكذلك جملة {وأنَّ المُسْرِفِينَ هُمْ أصحاب النَّارِ} بالنسبة إلى تفرع مضمونها على مضمون جملة

{وأنَّ مَرَدَّنا إلى الله}؛ لأنه إذا كان المصير إليه كان الحكم والجزاء بين الصائرين إليه من مُثاب ومعاقب فيتعين أن المعاقَب هم الكافرون بالله.

فالإِسراف هنا: إفراط الكفر، ويشمل ما قيل: إنه أريد هنا سفك الدم بغير حق ليصرف فرعون عن قتل موسى عليه السلام. والوجه أن يعم أصحاب الجرائم والآثام. والتعريف فيه تعريف الجنس المفيد للاستغراق وهو تعريض بالذين يُخاطبهم؛ إذْ هُم مسرفون على كل تقدير، فهم مسرفون في إفراط كفرهم بالرب الذي دعا إليه موسى، ومسرفون فيما يستتبعه ذلك من المعاصي والجرائم فضمير الفصل في قوله: {هُمْ أصحاب النَّارِ} يفيد قصراً ادعائياً؛ لأنهم المتناهون في صحبة النار بسبب الخلود بخلاف عصاة المؤمنين، وهذا لِحَمل كلام المؤمن على موافقة الواقع؛ لأن المظنون به أنه نبي أو مُلْهَم، وإلاّ فإن المقام مقام تمييز حال المؤمنين من حال المشركين، وليس مقام تفصيل درجات الجزاء في الآخرة.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

هكذا كشف مؤمن آل فرعون ما كان يخفي من إيمانه، وبذلك فقد انكشف هنا خطّه الإيماني التوحيدي، وانفصل علناً عن خط الشرك الملوث الذي يصبغ بآثامه وأوحاله الحكّام الفراعنة ومن يلف حولهم، لقد رفض الرجل دعوتهم ووقف لوحده إزاء باطلهم وانحرافهم.