الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِ لَيۡسَ لَهُۥ دَعۡوَةٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَلَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ هُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ} (43)

{ لاَ جَرَمَ } سياقه على مذهب البصريين : أن يجعل ( لا ) ردّاً لما دعاه إليه قومه . وجرم : فعل بمعنى حق ، وأنّ مع ما في حيزه فاعله ، أي : حق ووجب بطلان دعوته . أو بمعنى : كسب ، من قوله تعالى : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنئَانُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام أَن تَعْتَدُواْ } [ المائدة : 2 ] أي : كسب ذلك الدعاء إليه بطلان دعوته ، على معنى أنه ما حصل من ذلك إلاّ ظهور بطلان دعوته . ويجوز أن يقال : أن لا جرم ، نظير : لا بدّ ، فعل من ا لجرم ، وهو القطع ، كما أن بدّاً فعل من التبديد وهو التفريق ، فكما أن معنى : لا بد أنك تفعل كذا ، بمعنى : لا بعد لك من فعله ، فكذلك لا جرم أن لهم النار ، أي : لا قطع لذلك ، بمعنى أنهم أبداً يستحقون النار لا انقطاع لاستحقاقهم ولا قطع ، لبطلان دعوة الأصنام ، أي : لا تزال باطلة لا ينقطع ذلك فينقلب حقاً . وروي عن العرب : لا جرم أنه يفعل بضم الجيم وسكون الراء ، بزنة بد ، وفعل وفعل : أخوان . كرشد ورشد ، وعدم وعدم { لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ } معناه : أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة إلى نفسه قط ، أي : من حق المعبود بالحق أن يدعو العباد إلى طاعته ، ثم يدعو العباد إليها إظهاراً لدعوة ربهم وما تدعون إليه وإلى عبادته ، لا يدعو هو إلى ذلك ولا يدّعي الربوبية ، ولو كان حيواناً ناطقاً لضجّ من دعائكم . وقوله : { فِى الدنيا وَلاَ فِى الآخرة } يعني أنه في الدنيا جماد لا يستطيع شيئاً من دعاء غيره ، وفي الآخرة : إذا أنشأه الله حيواناً ، تبرأ من الدعاة إليه ومن عبدته . وقيل : معناه ليس له استجابة دعوة تنفع في الدنيا ولا في الآخرة . أو دعوة مستجابة ، جعلت الدعوة التي لا استجابة لها ولا منفعة فيها كلا دعوة . أو سميت الاستجابة باسم الدعوة ، كما سمى الفعل المجازي عليه باسم الجزاء في قولهم : كما تدين تدان . قال الله تعالى : { لَهُ دَعْوَةُ الحق والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْء } [ الرعد : 14 ] . { المسرفين } عن قتادة : المشركين . وعن مجاهد : السفاكين للدماء بغير حلها . وقيل : الذين غلب شرهم خيرهم هم المسرفون .