قوله تعالى : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة } ، بالقرآن ، { والموعظة الحسنة } ، يعني : مواعظ القرآن . وقيل : الموعظة الحسنة هي الدعاء إلى الله بالترغيب والترهيب . وقيل : هو القول اللين الرقيق من غير غلظة ولا تعنيف . { وجادلهم بالتي هي أحسن } ، وخاصمهم وناظرهم بالخصومة التي هي أحسن ، أي : أعرض عن أذاهم ، ولا تقصر في تبليغ الرسالة والدعاء إلى الحق ، نسختها آية القتال : { إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } .
يقول تعالى آمرًا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يدعو الخلق إلى الله { بِالْحِكْمَةِ } .
قال ابن جرير : وهو ما أنزله عليه{[16750]} من الكتاب والسنة ، { وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } ، أي : بما فيه من الزواجر والوقائع بالناس ذكرهم{[16751]} بها ، ليحذروا بأس الله تعالى .
وقوله : { وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ، أي : من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال ، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب ، كما قال : { وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } [ العنكبوت : 46 ] . فأمره تعالى بلين الجانب ، كما أمر موسى وهارون ، عليهما السلام ، حين بعثهما إلى فرعون فقال : { فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } [ طه : 44 ] .
وقوله : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } ، أي : قدم علم الشقي منهم والسعيد ، وكتب ذلك عنده وفرغ منه ، فادعهم إلى الله ، ولا تذهب نفسك على من ضل منهم{[16752]} حسرات ، فإنه ليس عليك هداهم إنما أنت نذير ، عليك البلاغ ، وعلينا الحساب ، { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [ القصص : 56 ] ، {[16753]} و{ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } [ البقرة : 272 ] .
{ ادع } ، من بعثت إليهم . { إلى سبيل ربك } ، إلى الإسلام . { بالحكمة } ، بالمقالة المحكمة ، وهو الدليل الموضح للحق المزيح للشبهة . { والموعظة الحسنة } ، الخطابات المقنعة والعبر النافعة ، فالأولى لدعوة خواص الأمة الطالبين للحقائق ، والثانية لدعوة عوامهم . { وجادلهم } ، وجادل معانديهم . { بالتي هي أحسن } ، بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين وإيثار الوجه الأيسر ، والمقدمات التي هي أشهر فإن ذلك أنفع في تسكين لهبهم وتبيين شغبهم . { إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } ، أي : إنما عليك البلاغ والدعوة ، وأما حصول الهداية والضلال والمجازاة عليهما فلا إليك بل الله أعلم بالضالين والمهتدين ، وهو المجازي لهم .
هذه الآية نزلت بمكة في وقت الأمر بمهادنة المشركين ، أمره الله تعالى أن يدعو إلى الله وشرعه بتلطف ، وهو أن يسمع المدعو حكمه ، وهو الكلام الصواب القريب الواقع في النفس أجمل موقع ، { والموعظة الحسنة } التخويف والترجية والتلطف بالإنسان بأن يحله ويبسطه ويجعله بصورة من يقبل الفضائل ، ونحو هذا ، فهذه حالة من يُدعَى وحالة من يجادَل دون مخاشنة ، ويبين عليه دون قتال ، فالكلام يعطي أن جدك وهمك وتعبك لا يغني ؛ لأن الله تعالى قد علم من يؤمن منهم ويهتدي ، وعلم من يضل ، فجملة المعنى اسلك هذا السبيل ولا تعن للمخاشنة ؛ لأنها غير مجدية ؛ لأن علم الله قد سبق بالمهتدي منهم والضال ، وقالت فرقة : هذه الآية منسوخة بآية القتال ، وقالت فرقة هي محكمة .
قال القاضي أبو محمد : ويظهر لي أن الاقتصار على هذه الحال ، وأن لا تتعدى مع الكفرة متى احتيج إلى المخاشنة هو منسوخ لا محالة ، وأما من أمكنت معه هذه الأحوال من الكفار ورجي إيمانه بها دون قتال فهي محكمة إلى يوم القيامة ، وأيضاً فهي محكمة في جهة العصاة ، فهكذا ينبغي أن يوعظ المسلمون إلى يوم القيامة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.