غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (125)

101

ثم أوعد اليهود بقوله : { وإن ربك ليحكم } الخ . ولما أمر محمداً باتباع إبراهيم صلى الله عليه وسلم بين وجه المتابعة فقال : { ادع إلى سبيل ربك } الآية . وفيه أن طريقة إبراهيم صلى الله عليه وسلم في الدعوة كانت هكذا . وتقرير ذلك أن الداعي إلى مذهب ونحلة لا بد أن يكون قوله مبنياً على حجة ، وهي إما أن تكون يقينية قطعية مبرأة من شائبة احتمال النقيض ، وإما أن تكون مفيدة للظن القوي والإقناع التام وإلا لم يكن ملتفتاً إليها في العلوم ، وقد يكون الجدال والخصام غالباً على المدعو فيحتاج حينئذ إلى إلزامه وإفحامه بدليل مركب من مقدمات مشهورة مسلمة عند الجمهور ، أو مقدمات مسلمة عند الخصم . فقوله : { بالحكمة } ، إشارة إلى استعمال الحجج القطعية المفيدة لليقين ، والمكالمة بهذا الطريق إنما تكون مع الطالبين البالغين في الاستعداد إلى درجة الكمال . وقوله : { والموعظة الحسنة } ، إشارة إلى استعمال الدلائل الإقناعية الموقعة للتصديق بمقدمات مقبولة ، وأهل هذه المكالمة أقوام انحطت درجتهم عن درجة الطائفة الأولى إلا أنهم باقون على الفطرة الأصلية ، طاهرون عن دنس الشغب وكدورات الجدال وهم عامة الخلق . وليس للدعوة إلا هذان الطريقان ، ولكن الداعي قد يضطر مع الخصم الألد إلى استعمال الحجج الملزمة المفحمة كما قلنا ، فلهذا السبب عطف على الدعوة قوله : { وجادلهم بالتي } ، أي : بالطريقة { التي هي أحسن } ، فكان طريق الجدال لم يكن سلوكه مقصوداً بالذات وإنما اضطر الداعي إليه لأجل كون الخصم مشاغباً . وإنما استحسن هذا الطريق لكون الداعي محقاً وغرضه صحيحاً . فإن كان مبطلاً وأراد تغليط السامع لم يكن جداله حسناً ويسمى دليله مغالظة . هكذا ينبغي أن يتصوّر تفسير هذه الآية فإن كلام المفسرين الظاهريين فيه غير مضبوط . وجوّز في الكشاف أن يريد القرآن ، أي : ادعهم بالكتاب الذي هو حكمة وموعظة حسنة ، وجادلهم بأحسن طرق المجادلة من الرفق واللين من غير فظاظة ولا تعنيف .

ولما حث على الدعوة بالطرق المذكورة ، بين أن الهداية والرشد ليس إلى النبي وإنما ذلك إلى الله تعالى فقال : { إن ربك هو أعلم } الآية . أي : هو العالم بضلال النفوس واهتدائها وكدورتها ، وبمن جعل الدعوة سبباً لسعادتها أو واسطة لشقائها .

/خ128