تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (125)

120

المفردات :

بالحكمة : المقالة المحكمة المصحوبة بالدليل الموضح للحق ، المزيل للشبهة ، أو حسن التأني للأمور ، واختيار اللفظ المناسب ، والبيان المناسب .

الموعظة الحسنة : الأدلة الظنية المقنعة للعامة ، وكل ما يناسب الناس ، ويحببهم في الدين والهدى والطاعة .

جادلهم : الجدال : الحوار والمناظرة ؛ لإقناع المعاند ، وينبغي أن يكون بالأسلوب الأمثل الهادئ الرزين .

التفسير :

{ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن . . . } .

تأتي هذه الآية وما بعدها في أعقاب سورة النحل المكية ، تتحدث عن أسلوب الدعوة إلى الله تعالى وتتحدث عن أسلوب في الحياة ، يهتم بالصبر والاحتمال والإيمان بالله ، والثقة بما عنده .

إن الدعاة مطالبون بدراسة علمية عالية ، لفنون القول والخطاب ، والإحاطة بالمعلومات وطرق الجدال ، وبيان الحجة ، أحيانا نكتفي بالبيان المناسب ، والمعلومات المفيدة ، وأحيانا نحرك القلوب بالموعظة الحسنة ، والتذكير بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأحيانا نناقش الناس بالحجة ، ونجادلهم بالمعروف وبالكلمة الطيبة ؛ لنبين الخطأ والصواب ، وهذا معنى قوله تعالى :

{ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } .

{ الحكمة } . تشمل القول المحكم الصحيح ، الموضح للحق ، المزيل للباطل ، الواقع من النفس أجمل موقع .

{ والموعظة الحسنة } . بيان العبر والمواعظ التي جعلها الله في القرآن الكريم ، مثل : وصف السماء ، والأرض ، والجبال ، والبحار ، والأنهار ، والفضاء ، والهواء ، والليل ، والنهار ، والحياة ، والموت ، وغير ذلك مما يبين فضل الله على عباده ودعوتهم إلى طاعته وإتباع أمره واجتناب نهيه .

{ وجادلهم بالتي هي أحسن } .

أي : ناقش المخالفين بالهدوء والبيان ، بلا تحامل على المخالف ، ولا ترذيل له ، حتى يطمئن إلى الدعوة ، وينظر إلى الموضوع نظرة واقعية عميقة ، فالجدل بالتي هي أحسن ، هو الذي يفتح نفس المخاطب ، ويطمئنه إلى الهدى والرشاد .

{ إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } .

إن الدعاة هداة لا قضاة ، وكذلك الأنبياء والرسل ، عليهم تبليغ الدعوة والنصح والنقاش الهادئ ، أما الهداية والدخول في الإسلام الحق ، فتلك مهمة الله الخالق البارئ الهادي .

قال تعالى : { ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء . . . }( البقرة : 272 ) .

وقال سبحانه : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } ( القصص : 56 ) .

وقال سبحانه : { فذكر إنما أنت مذكر* لست عليهم بمصيطر } ( الغاشية : 22 ، 21 ) .

والمعنى : اسلك أيها الرسول سبل الدعوة وأساليبها المفيدة النافعة ، أما الهداية العملية ، وانتقال الناس من الضلالة إلى الهدى ، فذلك أمر بيد الله تعالى ؛ فهو أعلم بالضالين المعاندين ، وهو أعلم بالمهتدين الطائعين ، وسيجازي كل فريق بما يستحق .