السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (125)

ولما أمر الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم باتباع إبراهيم عليه الصلاة والسلام بين الشيء الذي أمره بمتابعته فيه بقوله تعالى :{ ادع } ، أي : كل من تمكن دعوته ممن بعثت إليه ، { إلى سبيل ربك } ، أي : المحسن إليك بتسهيل السبيل الذي تدعو إليه واتساعه ، وهو الإسلام الذي هو الملة الحنيفية ، { بالحكمة } ، أي : المعاملة المحكمة وهو الدليل الواضح المزيل للشبهة ، { والموعظة الحسنة } ، أي : بالدعاء إلى الله تعالى بالترغيب والترهيب بالخطابات المتقنة والعبارات النافعة . والأولى لدعوى خواص الأمة الطالبين للحقائق ، والثانية لدعوى عوامهم . { وجادلهم } ، أي : وجادل معانديهم ، { بالتي } ، أي : بالمجادلة التي { هي أحسن } ، كالدعاء إلى الله تعالى بآياته ، والدعاء إلى حججه بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين من غير غلظ ولا تعسف فإن ذلك أنفع في تسكين لهبهم ، وتبيين شبههم ، وقيل : المراد بالحكمة القرآن ، أي : ادعهم بالقرآن والموعظة الحسنة الرفق واللين في الدعوة ، وفي الأمر بالمجادلة التي هي أحسن الإعراض عن أذاهم وعدم التقصير في تبليغ الرسالة والدعاء إلى الحق ، وعلى هذا القول قال بعض علماء التفسير : هذا منسوخ بآية السيف ، وقيل : إنّ الناس خلقوا وجبلوا على ثلاثة أقسام : القسم الأوّل : العلماء الكاملون وهم أصحاب العلوم الصحيحة والبصائر الشافية الذين يطلبون معرفة الأشياء على حقائقها ، فهؤلاء هم المشار إليهم بقوله تعالى : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة } ، أي : ادعهم بالدلائل القطعية اليقينية ، حتى يعلموا الأشياء بحقائقها وينفعوا الناس وهم خواص العلماء من الصحابة وغيرهم . القسم الثاني : أصحاب الفطرة السليمة والخلقة الأصلية ، وهم غالب الناس الذين لم يبلغوا حد الكمال ، ولم ينزلوا إلى حضيض النقصان فهم أوسط الأقسام وهم المشار إليهم بقوله تعالى : { والموعظة الحسنة } ، أي : ادع هؤلاء بالموعظة الحسنة . القسم الثالث : أصحاب جدال وخصام ومعاندة وهؤلاء هم المشار إليهم بقوله تعالى : { وجادلهم بالتي أحسن } ، أي : حتى ينقادوا إلى الحق ويرجعوا إليه .

{ إن ربك } ، المحسن إليك بالتخفيف عنك ، { هو أعلم } ، أي : من كل من يتوهم فيه علم ، { بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } ، أي : فهو سبحانه وتعالى أعلم بالفريقين ، فمن كان فيه خير كفاه الوعظ والنصيحة اليسيرة ، ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل ، وكأنك تضرب في حديد بارد فما عليك إلا البلاغ والدعوة ، وأمّا حصول الهداية والضلال والمجازاة عليهما فليس ذلك إليك ، وهذا قبل الأمر بالقتال .