معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{بَلۡ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخۡفُونَ مِن قَبۡلُۖ وَلَوۡ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَإِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (28)

قوله تعالى : { بل بدا لهم } قوله : { بل } تحته رد لقولهم ، أي : ليس الأمر على ما قالوا إنهم لو ردوا لآمنوا ، بل بدا لهم : ظهر لهم .

قوله تعالى : { ما كانوا يخفون } ، يسرون .

قوله تعالى : { من قبل } ، في الدنيا من كفرهم ومعاصيهم ، وقيل : ما كانوا يخفون ، وهو قولهم { والله ربنا ما كنا مشركين } [ الأنعام :23 ] ، فأخفوا شركهم ، وكتموا حتى شهدت عليهم جوارحهم بما كتموا وستروا ، لأنهم كانوا لا يخفون كفرهم في الدنيا ، إلا أن تجعل الآية في المنافقين ، وقال المبرد : بل بدا لهم جزاء ما كانوا يخفون ، وقال النضر بن شميل : بل بدا لهم بدا عنهم .

قوله تعالى : { ولو ردوا } إلى الدنيا .

قوله تعالى : { لعادوا لما } ، يعني إلى ما .

قوله تعالى : { نهوا عنه } ، من الكفر .

قوله تعالى : { وإنهم لكاذبون } ، في قولهم ، لو ردوا إلى الدنيا لم نكذب بآيات ربنا ، ونكون من المؤمنين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{بَلۡ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخۡفُونَ مِن قَبۡلُۖ وَلَوۡ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَإِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (28)

قال تعالى : { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ } أي : بل ظهر لهم حينئذ ما كانوا يخفون في أنفسهم من الكفر والتكذيب والمعاندة ، وإن أنكروها ، في الدنيا أو في الآخرة ، كما قال قبل هذا بيسير { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ }

ويحتمل أنهم ظهر لهم ما كانوا يعلمونه من أنفسهم من صدق ما جاءت{[10628]} به الرسل في الدنيا ، وإن كانوا يظهرون لأتباعهم خلافه ، كما قال تعالى مخبرًا عن موسى أنه قال لفرعون : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ بَصَائِرَ } الآية [ الإسراء : 102 ] . قال تعالى مخبرًا عن فرعون وقومه : { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } [ النمل : 14 ] .

ويحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المنافقين الذين كانوا يظهرون للناس الإيمان ويبطنون الكفر ، ويكون هذا إخبارا عما يكون يوم القيامة من كلام طائفة من الكفار ، ولا ينافي هذا كون هذه [ السورة ]{[10629]} مكية ، والنفاق إنما كان من بعض أهل المدينة ومن حولها من الأعراب ، فقد ذكر الله وقوع النفاق في سورة مكية وهي العنكبوت ، فقال : { وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ } [ العنكبوت : 11 ] ؛ وعلى هذا فيكون إخبارًا عن حال المنافقين في الدار الآخرة ، حين يعاينون العذاب يظهر{[10630]} لهم حينئذ غب ما كانوا يبطنون من الكفر والشقاق والنفاق ، والله أعلم .

وأما معنى الإضراب في قوله : { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ } فَهُم ما طلبوا العود إلى الدنيا رغبة ومحبة{[10631]} في الإيمان ، بل خوفا من العذاب الذي عاينوه جزاء ما كانوا عليه من الكفر ، فسألوا الرجعة إلى الدنيا ليتخلصوا مما شاهدوا{[10632]} من النار ؛ ولهذا قال : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } أي : في تمنيهم الرجعة رغبة ومحبة في الإيمان .

ثم قال مخبرًا عنهم : إنهم لو ردّوا إلى الدار الدنيا ، لعادوا لما نهوا عنه [ من الكفر والمخالفة ]{[10633]} { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } أي : في قولهم : { يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }


[10628]:في أ: "ما جاءهم"
[10629]:زيادة من م، أ.
[10630]:في أ: "فظهر"
[10631]:زياد من أ.
[10632]:في أ: "شاهدوه".
[10633]:زيادة من م، أ.