الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{بَلۡ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخۡفُونَ مِن قَبۡلُۖ وَلَوۡ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَإِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (28)

قوله سبحانه : { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ }[ الأنعام :28 ] .

يَتَضَمَّنُ أنهم كانوا يُخْفُونَ أموراً في الدنيا ، فظهرت لهم يوم القِيَامَةِ ، أو ظهر وَبَالُ ذلك وعاقبته ، فحذف المُضَاف ، وأقيم المضَافُ إليه مقامه .

وقيل : إن الكُفَّارَ كانوا إذَا وَعَظَهُمُ النبي صلى الله عليه وسلم خافوا ، وأَخْفَوْا ذلك الخوف ، لَئلا يشعر بهم أتباعهم ، فظهر لهم ذَلِكَ يوم القيامة ،

ويصح أن يكون مَقْصِدُ الآية الإخْبَارَ عن هَوْلِ ما لقوه ، فعبِّر عن ذلك بأنهم ظَهَرَتْ لهم مَسْتُورَاتهم في الدنيا من مَعَاصٍ وغيرها ، فكيف الظَّنُّ بما كانوا يعلنونه من كُفْرٍ ونحوه ، وينظر إلى هذا التأويل قوله تعالى في تَعْظِيمِ شَأْنِ يوم القيامة : { يَوْمَ تبلى السرائر } [ الطارق : 9 ] .

وقوله سبحانه : { وَلَوْ رُدُّواْ لعادوا } إخبار عن أَمْرٍ لا يكون كَيْفَ كان يُوجَدُ ، وهذا النوع مما اسْتَأْثَرَ اللَّه تعالى بعِلْمِهِ ، فإن أعلم بشيء منه علم ، وإلا لم يُتَكَلَّمْ فيه .

قال الفخر : قال الوَاحِدِيُّ : هذه الآية من الأدلة الظاهرة على فَسَادِ قول المُعْتَزِلةِ ، لأن اللَّه تعالى حكى عن هؤلاء أنهم لو رُدُّوا لَعَادُوا لما نُهُوا عنه ، وما ذاك إلا لِلْقَضَاءِ السابق فيهم ، انتهى .