فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{بَلۡ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخۡفُونَ مِن قَبۡلُۖ وَلَوۡ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَإِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (28)

قوله : { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ } هذا إضراب عما يدل عليه التمني من الوعد بالإيمان والتصديق ، أي لم يكن ذلك التمني منهم عن صدق نية وخلوص اعتقاد ، بل هو لسبب آخر ، وهو أنه بدا لهم ما كانوا يخفون ، أي يجحدون من الشرك ، وعرفوا أنهم هالكون بشركهم ، فعدلوا إلى التمني والمواعيد الكاذبة . وقيل : بدا لهم ما كانوا يخفون من النفاق والكفر بشهادة جوارحهم عليهم . وقيل : بدا لهم ما كانوا يكتمون من أعمالهم القبيحة كما قال تعالى : { وَبَدَا لَهُمْ منَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } وقال المبرد : بدا لهم جزاء كفرهم الذي كانوا يخفونه ، وهو مثل القول الأوّل . وقيل : المعنى أنه ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث والقيامة { وَلَوْ رُدُّواْ } إلى الدنيا حسبما تمنوا { لعادوا } لفعل ما نهوا عنه من القبائح التي رأسها الشرك ، كما عاين إبليس ما عاين من آيات الله ثم عاند { وَإِنَّهُمْ لكاذبون } أي متصفون بهذه الصفة لا ينفكون عنها بحال من الأحوال ولو شاهدوا ما شاهدوا . وقيل المعنى : وإنهم لكاذبون فيما أخبروا به عن أنفسهم من الصدق والإيمان . وقرأ يحيى بن وثاب «وَلَوْ رِدُّوا » بكسر الراء ؛ لأن الأصل رددوا فنقلت كسرة الدال إلى الراء ، وجملة { وَإِنَّهُمْ لكاذبون } معترضة بين المعطوف وهو { وقالوا } .

/خ28