الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلۡبُرُوجِ} (1)

مقدمة السورة:

مكية باتفاق . وهي ثنتان وعشرون آية .

قسم أقسم الله به جل وعز وفي " البروج " أقوال أربعة : أحدها : ذات النجوم . قاله الحسن وقتادة ومجاهد والضحاك . الثاني : القصور . قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد أيضا . قال عكرمة : هي قصور في السماء . مجاهد : البروج فيها الحرس . الثالث : ذات الخلق الحسن . قاله المنهال بن عمرو . الرابع : ذات المنازل . قاله أبو عبيدة ويحيى بن سلام . وهي اثنا عشر برجا ، وهي منازل الكواكب والشمس والقمر . يسير القمر في كل برج منها يومين وثلت يوم ، فذلك ثمانية وعشرون يوما ، ثم يستسر{[15885]} ليلتين ، وتسير الشمس في كل برج منها شهرا . وهي : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس والجدي ، والدلو ، والحوت . والبروج في كلام العرب : القصور . قال الله تعالى ؛ " ولو كنتم في بروج مشيدة " [ النساء : 78 ] . وقد تقدم{[15886]} .


[15885]:سرر الشهر (بفتحتين): آخر ليلة منه . وهو مشتق من قولهم: استسر القمر. أي خفي ليلة السرار. فربما كان ليلة وربما كان ليلتين.
[15886]:راجع جـ 5 ص 82.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلۡبُرُوجِ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية وهي ثنتان وعشرون آية . وهي تقص علينا خبرا من أخبار الطغاة الظالمين السابقين الذين نكلوا بالمؤمنين في اليمن أشد تنكيل ، إذ شقوا لهم في الأرض أخاديد ثم أوقدوا فيها نارا متأججة فألقوهم فيها فاحترقوا .

وذلك لإيمانهم بربهم وإصرارهم على الثبات على عقيدة التوحيد . فلم يثنهم التهديد والتخويف بالتحريق ، عن الاستمساك بدينهم حتى الموت ، بل آثروا التعذيب بالنار على الكفر والزيغ عن دين الله .

وهذه فعلة بشعة نكراء تلبّس بارتكابها المجرمون من عتاة البشر ، وهم في غاية الظلم المغالي الذي تغيض فيه كل أثارة من أثارات الرحمة ، والذي يتقمّص فيه الظالمون الأشرار طبائع الوحوش الكاسرة في غابات الظلام .

ومن أجل هذا الإجرام الفظيع والعدوان الصارخ على المؤمنين المعذبين الصابرين يقسم الله بالسماء وبروجها وبالقيامة الموعودة وبالشاهد والمشهود على أن بطشه شديد أليم وأنه العزيز الجبار المنتقم لعباده المؤمنين المبتلين ، من المجرمين الظالمين .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والسماء ذات البروج 1 واليوم الموعود 2 وشاهد ومشهود 3 قتل أصحاب الأخدود 4 النار ذات الوقود 5 إذ هم عليها قعود 6 وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود 7 وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد 8 الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد 9 إن الذين فتنوا المؤمنين ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق 10 إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير } .

نزلت في نصارى نجران إذ دعاهم رجل ممن كان على دين عيسى ( عليه السلام ) فأجابوه فسار إليهم ذو نواس اليهودي بجنوده من حمير فخيرهم بين النار واليهودية فأبوا فأحرق منهم اثنى عشر ألفا في الأخاديد . وقيل ، سبعون ألفا{[4793]} .

وهذه فعلة أليمة فظيعة تقشعر لبشاعتها الجلود والأبدان ، وتنفر منها المشاعر والضمائر . وذلك هو ديدن الأشقياء الكفرة من أعداء الله في كل زمان ، أولئك الذين يعذبون المؤمنين من عباد الله من أجل استمساكهم بعقيدة الحق . عقيدة التوحيد الخالص والإذعان الكامل لله وحده .

ومن أجل هذه الفعلة الأثيمة المنكرة أقسم الله قسمه الكريم العظيم ليبطشنّ بالقتلة المجرمين الذين عذبوا المؤمنين الموحدين من قوم عيسى ( عليه السلام ) فأحرقوهم إحراقا . وهو قوله سبحانه متوعدا متهددا هؤلاء الطغاة المجرمين { والسماء ذات البروج } أقسم الله بالسماء ذات البروج . والمراد بالبروج النجوم . أي : والسماء ذات النجوم . وقيل : البروج : منازل الكواكب وهي اثنا عشر برجا لاثني عشر كوكبا وهي : برج الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والعقرب ، والجدي ، والدلو ، والحوت ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والقوس .


[4793]:الكشاف جـ 4 ص 238.