سورة البروج مكية وآياتها ثنتان وعشرون ، نزلت بعد سورة الشمس ، وفيها تسلية وتذكير للمؤمنين ، وتهديد ووعيد للمعاندين . والموضوع الرئيسي فيها هو حادث أصحاب الأخدود ، وهم فئة من المؤمنين السابقين ، قبل الإسلام ، قل إنهم من النصارى الموحدين ، ابتُلوا بجماعة من الطغاة أرادوهم على ترك عقيدتهم ، والارتداد عن دينهم ، فأبوا وأصرّوا على التمسك بعقيدتهم . فحفر لهم أولئك أخدودا في الأرض ، وأوقدوا فيه نارا عظيمة ألقوهم فيها ، فماتوا حرقا . وذلك على مرأى من الجموع التي حشدها المتسلطون ، لتشهد مصرع الفئة المؤمنة بهذه الطريقة الوحشية .
وتبدأ السورة بقسَمه تعالى بمظاهر قدرته على أن أولئك الطغاة المتعرضين لإيذاء المؤمنين سيُطردون من ساحة الرحمة ، كما طُرد من سلك سبيلهم ممن سبقوهم من الأمم .
وتقص السورة خبر فعل الطغاة بالمؤمنين ، وتصور ذلك المشهد المفجع في لمحات خاطفة ، ثم تعقّب ذلك بوعد المؤمنين بجنات تجري من تحتها الأنهار . وهي تقرر أن الحق في كل العصور معرّض لمناوأة المناوئين ، وأن القرآن الذي هو دعامة الحق في منأى عن الشك ، لأنه في لوح محفوظ عند الله .
البروج : واحدها بُرج بضم الباء ، ومن معانيه : القصر العالي ، والحصن ، وبروجُ السماء الإثنا عشر ، وهي تضم منازلَ القمر الثمانية والعشرين ، وسيأتي تفصيلها .
أقسَم الله تعالى بالسماءِ البديعة وما فيها من نجوم لِينبِّهَنا إلى ما فيها من دقة الصنع ، وبالغ الحكمة ، لِنعلمَ أن الذي خلَقها أجلُّ وأعظم .
والبروج اثنا عشر وهي : الحمَل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسُنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والدَّلو ، والجَدي ، والحوت ، والقوس .
وتحلُّ الشمس كل شهرٍ في واحد من هذه البروج ، وكلٌّ منها يضمُّ منزلَين وثلُثاً من منازل القمر ، وعددها ثمانية وعشرون منزلا ، ينزل القمر كل يوم في واحد منها ويستتر ليلتين يغيب فيهما .
ومنازل القمر هي : الشرطان ، والبطين ، والثريا ، والدَّبَران ، والهَقْعَة ، والهَنْعة ، والذِراع ، والنثرة ، والطَرْف ، والجَبْهة ، والزّبرة ، والصرفة ، والعَوّاء ، والسِّماك الأعزل ، والغفر ، والزُّبانى ، والإكليل ، والقلب ، والشَّولة ، والنعائم ، والبلدة ، وسعدُ الذابح ، وسعد بَلَعَ ، وسعدُ سُعود ، وسعدُ الأخبية ، والفرغُ الأول ، والفرغُ الثاني ، وبطنُ الحوت .
ونرى في السماء ستة بروج ، والستة الأخرى تكون في سماء نصفِ الأرض المغيَّبة عنّا .
ونرى في المنازل أربعة عشر منزلا ، والبقية في النصف المغيّب عنّا . والبروج الإثنا عشر ، منها ستة في شمال خط الاستواء ، وستة أخرى في جنوبه .
فأما التي في شماله فهي : الحمل ، والثور ، والجوزاء .
وهذه الثلاثة تقطعها الشمس في ثلاثة أشهر هي فصل الربيع ، ثم السرطان ، والأسد ، والسنبلة ، وهذه هي فصل الصيف .
والستة التي في جنوب خط الاستواء هي : الميزان ، والعقرب ، والقوس ، وفيها يكون فصل الخريف .
ثم الجدي ، والدلو ، والحوت ، وفيها يكون فصل الشتاء . هكذا قسّم القدماء البروج والمنازل .
ولقد أقسم الله تعالى بالسماء لما فيها من نجوم لا تُعدُّ ولا تحصى ، ومن جملتها هذه البروج ، لأننا نراها ونشاهدُها دائما ، ولما فيها من مصالح ومنافع للناس في هذه الحياة .
وقد اهتم العربُ اهتماماً كبيرا بمعرفة هذه النجوم ، ومن قبلِهم اهتمت الأمم التي سبقتهم . وكانوا أحوجَ الناس إلى معرفتها ، ومواقع طلوعها وغروبها ، لأنهم يحتاجون إليها في السفَر برّاً وبحراً ، إذ يهتدون ليلاً بهذه الدراري اللامعة ، فلولاها لضلّت قوافلُهم وهلكت تجارتُهم ومواشيهم ، وهذا ما أشار الله تعالى إليه بقوله :
{ وَهُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ النجوم لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البر والبحر } [ الأنعام : 97 ] .
وقال : { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السماء بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } [ الحجر : 16 ] .
وقال : { هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب } [ يونس : 5 ] .
ولذلك اهتم العرب بهذه السماء العجيبة ، وعرفوا عدة من الكواكب الثابتة وسمّوها بأسماء مخصوصة ، وذكروا في أشعارهم بعضها ، مثل الفَرْقَدَين والدَّبَران ، والعَيُّوق ، والثريا ، والسِّماكَين ، والشِّعْرَيَيْن ، وغيرهما مما ذكر في كتب الفلك والأدب والتفسير والتاريخ . . . .
وقد صور العلامة أبو الحسين عبد الرحمن بن عمر الصوفي جميع أسماء الكواكب المستعملة عند العرب في كتابه البديع : صور الكواكب الثمانية والأربعين ، والذي حوى نحو مئتين وخمسين كوكبا . . . .
فالقَسم بهذه السماء البديعة الصنع ، العجيبة التركيب ، وما فيها من نجوم ومجرات ، ومجموعات لا نعلم منها إلا القليل القليل ، قَسَمٌ عظيم ، والذي أقسَمَ أجَلُّ أعظمُ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.