معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ فَرِحُواْ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ إِذَا هُمۡ يَقۡنَطُونَ} (36)

قوله تعالى : { وإذا أذقنا الناس رحمة } أي : الخصب وكثرة المطر ، { فرحوا بها } يعني فرح البطر ، { وإن تصبهم سيئة } أي : الجدب وقلة المطر ، ويقال : الخوف والبلاء { بما قدمت أيديهم } من السيئات ، { إذا هم يقنطون } ييأسون من رحمة الله ، وهذا خلاف وصف المؤمن ، فإنه يشكر الله عند النعمة ، ويرجو ربه عند الشدة .

قوله تعالى : { أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون }

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ فَرِحُواْ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ إِذَا هُمۡ يَقۡنَطُونَ} (36)

قوله تعالى : " وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها " يعني الخصب والسعة والعافية . قاله يحيى ابن سلام . النقاش : النعمة والمطر . وقيل : الأمن والدعة . والمعنى متقارب . " فرحوا بها " أي بالرحمة . " وإن تصبهم سيئة " أي بلاء وعقوبة . قاله مجاهد . السدي : قحط المطر . " بما قدمت أيديهم " أي بما عملوا من المعاصي . " إذا هم يقنطون " أي ييأسون من الرحمة والفرج{[12509]} ؛ قاله الجمهور . وقال الحسن : إن القنوط ترك فرائض الله سبحانه وتعالى في السر . قنط يقنط ، وهي قراءة العامة . وقنط يقنط ، وهي قراءة أبي عمرو والكسائي ويعقوب . وقرأ الأعمش : قنِط{[12510]} يقنَط [ الحجر : 56 ] بالكسر فيهما ، مثل حسب يحسب . والآية صفة للكافر ، يقنط عند الشدة ، ويبطر عند النعمة ، كما قيل :

كحمار السَّوْءِ إن أعلفته *** رمَحَ الناس وإن جاعَ نَهَقْ

وكثير ممن لم يرسخ الإيمان في قلبه بهذه المثابة ، وقد مضى في غير موضع . فأما المؤمن فيشكر ربه عند النعمة ، ويرجوه عند الشدة .


[12509]:في ك، ش: "الفرح" بالحاء.
[12510]:راجع ج 10 ص 35.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ فَرِحُواْ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ إِذَا هُمۡ يَقۡنَطُونَ} (36)

ولما بان بهذين المتعادلين أنه لم يضطرهم إلى الإشراك عرفٌ في أنفسهم مستمر دائم ، ولا دليل عقلي ظاهر ، ولا أمر من الله قاهر ، فبان أنهم لم يتبعوا عقلاً ولا نقلاً ، بل هم أسرى{[53118]} الهوى المبني على محض الجهل ، وكان{[53119]} قد صرح بذلك عقب العديل{[53120]} الأول ، لمح هنا ، وترك التصريح به لإغناء الأول عنه ، واستدل عليه بدليل خالفوا فيه العادة المستمرة ، والدلالة الشهودية المستقرة ، فقال عاطفاً على { وإذا مس } دالاً على خفة أحلامهم{[53121]} من وجه آخر غير الأول : { وإذا } معبراً بأداة التحقيق إشارة إلى أن الرحمة أكثر من النقمة ، وأسند الفعل إليه في مقام العظمة إشارة إلى سعة جوده فقال : { أذقنا } وجرى الكلام على النمط الماضي في العموم لمناسبة مقصود السورة في أن الأمر كله له في كل شيء فقال{[53122]} : { الناس رحمة } أي نعمة من غنى ونحوه لا سبب لها إلا رحمتنا { فرحوا بها } أي فرح مطمئن بطر آمن من{[53123]} زوالها ، ناسين شكر من أنعم بها ، وقال : { وإن } بأداة الشك دلالة على أن المصائب أقل وجوداً ، وقال : { تصبهم } غير مسند لها إليه تأديباً لعباده{[53124]} وإعلاماً بغزير كرمه { سيئة } أي شدة تسوءهم من قحط ونحوه .

ولما كانت المصائب مسببة عن الذنوب ، قال منبهاً لهم على ذلك منكراً قنوطهم وهم لا يرجعون عن المعاصي التي عوقبوا بسببها : { بما قدمت أيديهم } أي من المخالفات ، مسنداً له إلى اليد لأن أكثر العمل بها { إذا هم } أي بعد ما ساءهم وجودها مساءة نسوا{[53125]} بها ما{[53126]} خولوا فيه من النعم وجملوا به من ملابس الكرم { يقنطون* } أي فاجاؤوا اليأس ، مجددين له في كل حين من أحيان نزولها{[53127]} وإن كانوا يدعون ربهم في كشفها ويستعينونه{[53128]} لصرفها مع مشاهدتهم لضد ذلك في كلا الشقين في أنفسهم وغيرهم متكرراً ،


[53118]:من م، وفي الأصل وظ: أسر.
[53119]:زيد من ظ وم.
[53120]:من م، وفي الأصل وظ: الدليل.
[53121]:في ظ: أخلاقهم.
[53122]:زيد من ظ.
[53123]:زيد من م.
[53124]:من ظ وم، وفي الأصل: للعباد.
[53125]:من ظ وم، وفي الأصل: نسبوا.
[53126]:زيد من ظ وم.
[53127]:في م: بروكها.
[53128]:في ظ: يستغيثونه.