روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ فَرِحُواْ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ إِذَا هُمۡ يَقۡنَطُونَ} (36)

{ وَإِذَا أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً } أي نعمة من صحة وسعة ونحوهما { فَرِحُواْ بِهَا } بطرا وأشرا فإنه الفرح المذموم دون الفرح حمداً وشكراً . وهو المراد في قوله تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } [ يونس : 58 ] وقال الإمام : المذموم الفرح بنفس الرحمة والممدوح الفرح برحمة الله تعالى من حيث أنها مضافة إلى الله تعالى : { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ } شدة { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } بشؤم معاصيهم { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } أي فاجؤوا القنوط من رحمته عز وجل ، والتعبير بإذا أولاً لتحقق الرحمة وكثرتها دون المقابل ، وفي نسبة الرحمة إليه تعالى دون السيئة تعليم للعباد أن لا يضاف إليه سبحانه الشر وهو كثير كقوله تعالى : { أَنْعَمْتَ } في الفاتحة ، وعدم بيان سبب إذاقة الرحمة وبيان سبب إصابة السيئة على الاستمرار في القنوط ، والمراد بالناس أما فريق آخر غير الأول على أن التعريف للعهد أو للجنس وأما الفريق الأول لكن الحكم الأول ثابت لهم في حال تدهشهم كمشاهدة الغرق وهذا الحكم في حال آخر لهم فلا مخالفة بين قوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّ الناس ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ } [ الروم : 33 ] وقوله سبحانه : { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } [ الروم : 63 ] فلا يحتاج إلى تكلف التوفيق بأن الدعاء اللساني جار على العادة فلا ينافي القنوط القلبي ولذا سمع بعض الخائضين في دم عثمان رضي الله تعالى عنه يدعو في طوافه ويقول : اللهم اغفر لي ولا أظنك تفعل ، أو المراد يفعلون فعل القانطين كالاهتمام بجمع الذخائر أيام الغلاء ، ولا يخفى أن في المفاجأة نبوة ما عن هذا فتأمل .

وقرىء «يقنطون » بكسر النون .