السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ فَرِحُواْ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ إِذَا هُمۡ يَقۡنَطُونَ} (36)

ولما بين تعالى حال المشرك الظاهر شركه بيّن تعالى حال المشرك الذي دونه وهو مَنْ تكون عبادته للدنيا بقوله تعالى : { وإذا } معبراً بأداء التحقيق إشارة إلى أنّ الرحمة أكثر من النقمة ، وأسند الفعل إليه في مقام العظمة إشارة إلى سعة جوده فقال { أذقنا الناس رحمة } أي : نعمة من خصب وكثرة مطر وغنى ونحوه لا سبب لها إلا رحمتنا { فرحوا بها } أي : فرح بطر مطمئنين من زوالها ناسين شكر من أنعم بها ، ولا ينبغي أن يكون العبد كذلك . فإن قيل : الفرح بالرحمة مأمور به قال تعالى : { بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا } ( يونس ، 58 ) وههنا ذمّهم على الفرح بالرحمة ؟ أجيب : بأنه هناك فرحوا برحمة الله من حيث إنها مضافة إلى الله وههنا فرحوا بنفس الرحمة حتى لو كان المطر من غير الله لكان فرحهم به مثل فرحهم إذا كان من الله تعالى { وإن تصبهم سيئة } أي : شدّة من جدب وقلة مطر وفقر ونحوه { بما قدّمت أيديهم } من السيئات { إذا هم يقنطون } أي : ييأسون من رحمة الله وهذا خلاف وصف المؤمنين فإنهم يشكرونه عند النعمة ويرجونه عند الشدّة ، وقرأ أبو عمرو والكسائي بكسر النون بعد القاف ، والباقون بالفتح .